wonder .. فتش عن الأسرة

1225

قبيل كتابة هذا المقال، أقدمت “إيمان صالح” الطالبة بالمعهد الفني الصحي بالإسكندرية على الانتحار، بعد أن عانت طويلًا من تنمر المسؤولين عن المعهد، في حين مرت الطفلة “بسملة علي” بحالة نفسية سيئة للغاية، بعد تعرضها للتنمر على يد مدرس اللغة العربية في مدرستها، التي قررت أن تتوقف عن الذهاب إليها.

 

“إيمان” البالغة من العمر 22 عامًا، و”بسملة” البالغة من العمر 13 عامًا، مثالان حيان على أن التنمر خطر قاتل لا يسلم منه الصغار والكبار على حدٍ سواء، التنمر يهدد الصحة النفسية وقد يودي بالضحية إلى التهلكة، التنمر يشبه التصور الأسطوري عن ملك الموت، شبح طويل يرتدي عباءة سوداء وفي يديه منجل لحصاد الأرواح، وعلينا جميعًا أن نقف في وجهه، ولتكن حملة #أنا_ضد_التنمر حملة العمر بأكمله.

 

مع بدء الحملة بدأت بالتفتيش في الأرشيف السينمائي عن الأفلام التي تناقش ظاهرة التنمر، فكان فيلم “Wonder” أحدثها، هيأت نفسي لمشاهدة فيلم اعتيادي عن معاناة طفل وُلد مختلفًا، ورحلته من المعاناة إلى انتزاع القبول من بيئته، لكن الفيلم كان أجمل وأعمق من تصوراتي هذه.

 

الفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة الأمريكية “آر. جيه. بالاسيو”، كانت الرواية الأكثر مبيعًا لعام 2012. بطل الفيلم طفل صغير في العاشرة من عمره، يُدعى “أوغست بولمان/ أوغي”، وُلد مصابًا بمتلازمة تريتشركولينز، وهي حالة وراثية تؤدي إلى اضطراب في نمو وتطور عضلات وعظام الوجه، فاحتاج “أوغي” لسبعٍ وعشرين عملية جراحية وتجميلية، ليكون قادرًا على الرؤية والسمع.

 

“أوغي” طفل مختلف، ليس على صعيد الشكل فحسب، فهو يمتلك روحًا حساسة للغاية، وقلبًا كبيرًا، وذكاءً لا محدود، وأمًا أحسنت رعايته على أكمل وجه. قضى “أوغي” سنواته الدراسية الأربعة الأولى يتلقى التعليم المنزلي على يدي والدته، وفي السنة الخامسة جاءت لحظة مواجهة العالم الخارجي والذهاب إلى المدرسة كطفلٍ عادي.

 

المدرسة رائعة للغاية لأي طفلٍ عادي، لكنها تتحول جحيمًا لكل طفل يعاني أي اختلاف، وكانت كذلك لـ”أوغي”، الذي خاف الجميع مصادقته بسبب ملامح وجهه، وتعرض لتنمر طفل آخر يُدعى “جوليان” وجماعته من المتنمرين، الذين زرعوا في عقول الآخرين فكرة أن “أوغي” طاعون يجب تحاشيه ويجب عدم لمسه لأنه معدٍ.

 

معاناة طويلة عاشها “أوغي” في مدرسته، لم تنته إلا عندما تجرأ “جاك” زميل “أوغي”، وقرر مصادقته، ومن ثم تبعته زميلة أخرى تُدعى “سمر”، وبذلك تحول الجحيم إلى جنة، لأن الصداقة الحقيقية تبدد كل الشرور، ولأن المحبة هي المُعدية بالفعل، فقد حظي “أوغي” بمحبة الجميع في النهاية.

 

في نهاية الفيلم السعيدة للغاية تميل “إيزابيل” والدة “أوغي” على أذنه لتهمس: “أنت حقًا أعجوبة أوغي.. أنت أعجوبة”. من وجهة نظري لم يكن “أوغي” الأعجوبة الوحيدة في هذه الحكاية. كل طفل هو أعجوبة بشكلٍ ما. “جاك” أعجوبة لأنه صديق جيد يعرف كيف يمنح المحبة الصادقة، “سمر” أيضًا أعجوبة بخروجها عن قطيع المتنمرين. كل طفل سيكون أعجوبة في حكايته الخاصة، فقط لو أحسنت الأسرة محبته ودعمه.

 

فتش عن الأسرة.. فالأسرة هي المحرك الحقيقي للطفل، وكل طفل ذكرته في السطور السابقة، كانت وراءه أسرة وتحديدًا أم، كانت المحرك الحقيقي له. لم يكن “أوغي” ليصبح بهذه القوة والصلابة والتميز لولا وجود والدته “إيزابيل” الداعمة والمحبة له على الدوام. “جاك” الطفل الرائع المبادر كانت وراءه والدته التي علَّمته احترام الاختلاف والمبادرة بالمساعدة، وحتى “جوليان” الطفل المتنمر كان كذلك لأن والدته لا تحترم الاختلاف ولا الضعف، متنمرة شجعت ابنها على الإساءة، ومن ثم رفضت تحمل العواقب.

 

معركة “أوغي” في مواجهة التنمر واحدة من ملايين المعارك على كوكب الأرض، كان محظوظًا بأن خرج منها منتصرًا، لكن هناك الكثير من الأطفال المنهزمين الذين لا ندري عنهم شيئًا لأننا لم نستمع إليهم جيدًا. التنمر شر مستطير، لمواجهته يجب أن نحشد جيشًا أساسه الوعي، وجنوده الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع، لكن أولًا وأخيرًا الأسرة هي النواة الأولى. لكل أم تقرأ مقالي الآن، استمعي جيدًا لابنك/ ابنتك، قدمي المحبة غير المشروطة والدعم الدائم، حتى لا تكوني المعركة الخاسرة القادمة.

المقالة السابقةوجوه تجعل للحياة معنى
المقالة القادمةالقول الفصل في ساندويتش الجبنة بالتنمر

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا