2017 ودرس الصورة الكاملة

476

تمر أحداث عام آخر بفرحها وحزنها وإحباطاتها، والمحاولة في العيش والتأقلم رغم كل شيء، عام آخر من الزواج.. من السفر.. من العمل.. ويبقى الدرس الأهم الذي تركه العام لي ألا أنغمس في الأحداث المفردة منفصلة، ألا يستغرقني حدث واحد، سواء كان حلوًا أو مرًّا ويبقيني عاجزة أن أرى سواه.

نعم كان هذا الدرس الأهم، فمحاولة رؤية الصورة في مجملها تجعل الأمور أفضل إلى حد بعيد، وهو بالطبع أفضل من التفاني في ملاحظة جانب واحد من الصورة فقط، وهو ما يجعلنا مفرطين في الكآبة لو كان جانبًا حزينًا، أو مفرطين في التفاؤل إلى حد السذاجة إذا كان جانبًا جيدًا، أو مفرطين في رومانسية بلهاء ليس لها قدم لتقف على الأرض الصلبة إذا كان جانبًا عاطفيًا.. وهكذا.

كل جانب من صورة حياتنا إذا استغرقنا فيه وحده بكامل حواسنا وإدراكنا سيحولنا إلى أشخاص لن نحب أن نكونهم، بل ونُفاجأ بما وصلنا إليه عندما نسترد كامل وعينا، وربما نندم أيضًا.

على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أحترم بشدّة تلك المشاركات التي انتشرت مؤخرًا، والتي انتقد أصحابها من يودعون 2017 بمرارة مبالغ فيها، ويقولون إنه كان عامًا صعبًا وقاسيًا ومرّ بصعوبة شديدة. يتساءل أصحاب المشاركات: ألم يكن في 2017 شيء جيد على الإطلاق؟! ألم تمرّ عليكم خلالها لحظات سعادة؟! ألم تصل إليكم تلك الأرزاق التي ساقها الله لكم خلال هذا العام؟! وبعيدًا عن كل هذا، ألم تمر عليكم أوقات من الصحة التي لم تعانوا خلالها بأي ألم جسدي؟! ألا يستحق كل هذا الشعور ولو القليل من الامتنان؟!

أقدر تلك المنشورات جدًا، لأنه بعيدًا جدًا عن اللوم والانتقاد، هي تروِّج لفكرة طيبة للغاية، وهي محاولة رؤية الصورة كاملة، فقط لكي نتمكن من التقاط أنفاسنا، لكي نتمكن من إعطاء أعيننا بعض النور الذي يُمكنها من الرؤية، حتى وإن كان الظلام حولها حالكًا.

إلى درجة كبيرة أعتبر أن الامتنان هو أحد الطرق الموصولة بالسماء، الامتنان الذي يحمل الرضا، الذي يكسر فينا التجبُّر الذي يجعلنا بدوره نشعر بيقين مبالغ فيه أننا نستحق الأفضل والأفضل جدًا، ويجعلنا نتذمر من أي شيء نحصل عليه، لأنه في أعيننا قليل جدًا ونحن ننتظر لأنفسنا الأفضل والأكبر. الشعور بالامتنان لشربة ماء هانئة ونسمة هواء طيبة يستقبلها وجهك دون أن يجعلك المرض أو الحزن عاجزًا عن الشعور بأي جمال حولك، هو شيء يستحق الامتنان. والقلب الذي يمتن ويُقدّر النِعم ولا يواجهها ببتر الاعتياد، والشعور بالأحقية الزائفة، هو قلب يستحق الرضا وراحة البال.

في 2017 قررت أن أجمع أحداثي خلال أسبوع أو شهر، وألا أكتئب من أحداث يوم أو اثنين، ثم أتأمل الصورة في مجملها بين حين وآخر، فأشعر أن الأمر لم يكن سيئًا بالدرجة التي كنت سأشعر بها إذا وقفت أمام اليوم الواحد بأحداثه الجزئية المنفردة.

الصورة الكاملة تجعلك لا تخشى النهايات.. فكل نهاية هي نقطة توصل لبداية أخرى جديدة، قد تكون أفضل مما كان قبل النهاية، ولكننا في مجتمعاتنا نجد كلمة “النهاية” دومًا مفزعة مرعبة، فقلّما تجد من يعتبر أن النهاية هي تلك النقطة التي توضع في نهاية الجملة لتبدأ بعدها جملة جديدة، أو هي الفاصلة التي تضعها بعد اكتمال المعنى لتقف قليلاً تلتقط أنفاسك وتُكمل ما تود قوله.

النهايات لدينا هي ما لا شيء بعده.. وهذا مخيف.. مخيف بمقدار تخيل الفناء والعدم، ونحن لا نقوى على تخيل الفناء والعدم.

وفي نهاية 2017، يمكنني جدًا أن أقول لها شكرًا، شكرًا لأنني خلال أيامك عرفت كيف لا أنظر إلى ما فقدته فقط، وأن هناك كثيرًا من الأشياء الأخرى التي يجب الالتفات لها.

المقالة السابقةكلمة السر لرسائل مُدهشة
المقالة القادمةمُطلقة في عصمة رجل
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا