يُتم الصديق

491

 

بقلم/ كريستين رفيق

 

نسمع ونرى ونروي عن كلمة “اليتم”. كنت أظن أن هذه الكلمة تنحصر في أن اليتم هو فقدان حضن الأب ودفء الأم. ولكن شعرت أن لليتم معاني أخرى، فقط تعلمها حين تشعر بها. واعلم جيدًا أن حالي كحال كثيرين أيقنوا مع مرور سنوات عمرهم معنى يُتم الصديق.

 

لم يكن بالنسبة لي مشهدًا سهل أن يُكتب، ولكن هذا ما يحدث. يبدأ المشهد بفتاة تقف على خشبة المسرح، لم تكن الوحيدة أو المنفردة، بل كانت تصطف وسط أدوار أخرى وشخصيات مختلفة، قد تتقدم خطواتها ولكن تتراجع في من حين لآخر. تتعالى ضحكاتها من نبضات قلبها في مشاهد، وتتدفق دموعها في مشاهد أخرى، ولكنها تظل محاطة بشخصيات مجتمعها، سواء زملاء أو أصدقاء.. أمام هذه المشاهد يظل المشاهدون يرون ويتهامسون من حين لآخر، وأصواتهم منخفضة ساكنة متهامسة.

 

تمر مشاهد الحياة وتتفاجأ فتاتي أن خشبة مسرحها تحضنها منفردة بها، وتنطفئ أنوار الكواليس، وتتغير ملامحها، لتقف بمفردها تواجه أحداث القصة. ويظل المشاهدون كما هم يرونها منفردة دون صديق أو زميل أو كومبارس يستمع لنصها المكتوب بين ساعات يومها، وكل ما يطلبونه أن تجيد لعب دورها بامتياز، وتقوم بكل أدوار القصة ببراعة، فهي الأم والمعلمة والزوجة الآمنة والموظفة البارعة.

 

وتتعالى أصوات الجمهور بصيحات “اثبتي لنا الأفضل.. أكملي ما عليكِ من التزامات”.. لترى هل من صديقة تستطيع أن تأخذ معها قسطًا من الراحة؟ هل من أوفياء يساندونها على خشبة مسرحها؟ حينها تشعر بمعنى يتم الصديق.

 

فإذا كان الارتباط العاطفي يحدث بكيمياء، فخلق صديق يحدث بكيمياء ولكن بمعدلات أخرى. ربما من سوء حظنا أنه لا يوجد موقع أونلاين أو مصنع يصنع صديقًا بمواصفات مختارة ويرسله لنا في صندوق أحمر ملون بشرائط مزخرفة، وحين تنتهي صلاحيته أستبدله.

 

خلق الصداقة يحتاج إلى وقت وعشرة ومواقف، وحياة تجعلنا نمضي معًا ليصير حديثنا واحدًا وقلوبنا واحدة.. كل هذا يصعب أن يحدث في عمرك مرتين. دائمًا يصنع الصديق مرة واحدة في عمرك، وإذا مرت أمامك أيامكما وتباعدت بينكما مسافات السفر والتزامات حياتك، ووقفت تستعرض أحداث ومشاعر يومك منفردًا، فأنت بذلك بدأ يتسلل داخلك معنى اليتم، والشوق الحقيقي لأصدقاء أخذتهم الأيام واحدًا تلو الآخر، وتركتك مكبَّل اليدين متمنيًا عودة صور الماضي.

 

فإذا كان المثَل هو “التعليم في الصغر كنقش على الحجر”، فاجعلوني أضيف عليه أن الحفاظ على أصدقاء الصغر وأصدقاء أيام شبابنا كحجر أساس تبنى عليه بهجة أيامنا القادمة.

 

 

لماذا لا يوجد مصنع يصنع صديقًا بمواصفات مختارة؟!

 

المقالة السابقةالقلب الحنين ولغز حنية القلب التي تلين كل صعب
المقالة القادمةفي بيتنا متنمر
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا