ولكننا لا نأكل أطفالنا

684

 

عزيزتي الحامل.. إليكِ الخبر الجديد.. أنتِ أم. ذلك هو الأمر كله.

أنتِ أم فلم يعد لعملك أولوية، الأولية دائمًا للبيت والطفل.. معروفة.

أنت أم فعليك بالنضح أكثر من ذلك وعليك بتغيير مساحاتك الخاصة من التنزه والفضفضة مع الأصحاب وحضور الحفلات وقراءة الروايات، فإن كان لا بد من الكتب فعليك باقتناء كتاب “أم لأول مرة”، “أسس التربية الحديثة”، “كيف يصبح ابنك شخصية ناجحة”، فبماذا ستفيدك رضوى عاشور أو إليف شافاق في مشوارك الجديد (مشوار الأمومة)؟!

 

أن تصبحي أمًا فيعني أنك لم تعودي تملكين رفاهية الرجوع في القرارات، فقرار العودة إلى العمل قد يعني أن طفلك يربى في الحضانة بين أغراب دون أي سيطرة على تكوين شخصيته، وقرار خلع الحجاب مثلاً أو ارتدائه قد يصل إلى أن طفلك سيربى بعيدًا عن أحد أبويه، وقرار استكمال دراستك سيعني ميزانية جديدة لمربية أو لدروس خصوصية للطفل.

أن تكوني أمًا يعني أن تكوني نموذجًا سائرًا في اتجاه واجد بلا عودة، وهو نموذج كبير للتضحيات.. فقط التضحيات.

 

لكني لا أرى الأمر كذلك، فلم أستعب الضير في أن أكون أمًا وأكون نفسي! ما الضير أن أكون أمًا وأترك طفلي بعض الوقت في مكان آمن لأجدني أولاً ثم أعود إليه بعد أن حصلت عليّ، بعد أن أوجدت له أمًا تستحقه ويستحقها؟!

 

عفوًا للجميع، فلن أراني أمًا صالحة قبل أن أكون إنسانًا صالحًا، كيف أخرج بنتًا تستطيع مواجهة صعوبات المجتمع وصعوبات الحياة، أو ترغب في التميز والنجاح أو حتى تطمح في إرساء قواعد بيت قوي، دون أن أكون لها نموذجًا للأم القوية الحرة؟ كيف أربّي رجلاً يطمح للقيادة أو الشهرة أو الحرية ويطمح أيضًا في أبوّة مميزة، وهو يرى قدوته منقادة لأفكار غريبة لا أساس لها؟

 

طفلي الحبيب/

ربما سيخبرونك يومًا أن أمك تركتك –يا للأسف أيها المسكين!- وحيدًا مع جدتك أو في الروضة لحضور حفل افتتاح موقع نسوي، أو أن أمك قررت تركك واستعدّت للسفر عدة أيام لحضور مؤتمر ما أو لزيارة أماكن جديدة تشحن خيالها بكتابات جديدة. فلا تدعهم يلقمونك أثداء الغضب ويحشون رأسك بأفكار عن أنانيتي وإهمالي. فلتعلم فقط أنني أردت الوقوف في وجه مجتمع غريب وأفراد لم يستطيعوا الوصول إلى أنفسهم فحاولوا منعي. فلتعلم أني لست خطرًا عليك ولست خطرًا على أمومتي لك، فقط أردت أن أكون نفسي وأن أكون لي حتى أجد فيّ ما يمكنني إعطاءه لك.

 

طفلي الحبيب/

ربما ستجد عائلتك وقرابتك بالدم قليلين عما يبدو للجميع، ذلك لأن أكثرهم رغب لي ألا أكون فتقهقروا عن خط حياتي، وتمسكوا بقوانينهم وبحثوا عمن يفرضونها عليه فرضًا. لكنك ستجد أصدقاء كثيرين حمّسوني وفرحوا لمجرد وجودي وانتظروا المزيد.

 

طفلي الحبيب/

لا تنس أنني رفضت لك آباءً كُثر لأنهم لم يحتملوا حريتي، واخترت لك أبًا لا يخشى قوّتي، لا يخشى حريتي، لا يخشى أن أختار طريقًا وأمشيه وحدي، لا يخشى حتى أن أعود من أنصاف الطرق، لا يخشى أن أقول لا.

 

 

المقالة السابقةفسيخ ورنجة لشم النسيم
المقالة القادمةالتنميط.. خطر مميت

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا