وبمحبة قلبي هقدر ع الليالي

1168

أتعلم عيناك أني انتظرتُ طويلاً كما انتظر الصيف طائر؟!

 

“أول سنة جواز هي الأصعب”.

هكذا أخبروني قبل أن أبدأ عامي الأول وأنتقل معك إلى هذه المدينة البعيدة المخيفة التي لا أعرف فيها أحدًا. تفاجأت بسلاسة الأمور، فوجودنا وحدنا في مدينة بعيدة ساعدناعلى التخلص من الكثير من التفاصيل والتقاليد المزعجة التي عادة ما تنغص بدايات الآخرين، كنا نعيش في شقة صغيرة لا تحتوي من الأثاث سوى ما نحتاجه فقط بلا أي إضافات مزعجة، البراح حولنا يترك لطاقاتنا مجال التنفس والحركة، شقة تشبه عش غرام أعدّ على عجل أكثر منها منزل زوجين، غرفة نوم بسيطة، وفي المطبخ لا يوجد سوى ما نحتاجه من الأطباق والأواني بدون كركبة إضافية، طاولة ومقعدان يصلحان للكتابة وتناول الطعام وليالي الثرثرة الطويلة (فيما بعد أضفنا إليها أربعة مقاعد حين استضفنا بعض الأصدقاء) وصالة خالية من الأثاث تصلح كساحة للرقص وممارسة التمارين ولعب الكرة أحيانًا.

 

مر العام الأول جميلاً وقبل أن ينتهي صرنا ثلاثة، وانتقلنا إلى بيت أوسع أقرب إلى الطابع العائلي بسرير الطفلة وألعابها المتناثرة في كل مكان، ومكان مهيأ لاستقبال الضيوف، كل الأمور تمر بسلاسة، خلافاتنا صغيرة تكاد تكون منعدمة، وحين تحدث تنتهي في نفس اليوم، هكذا كنت أظن أننا نعيش في حدوتة أسطورية كلها تبات ونبات، العالم بين يدينا، يخبرني أني عالمه، وأخبره أن روحي معلقة برائحته، نغيب عن بعضنا بعض فنتبادل الرسائل المزدحمة بالمجازات عن المحبة الأسطورية ونتصور أننا ندركها.

 

حبيبان نحن، إلى أن ينام القمر

ونعلم أن العناق، وأن القبل

طعام ليالي الغزل

 

حتى جاءت نهاية عامنا الثاني، حدث بيننا ما يمكن تسميته بصدام ضخم، أوشكنا على الانفصال أكثر من مرة، تساءلت كثيرًا إن كان ما بيننا حقيقيًا بالفعل أم أن اللغة تخدعنا بمجازاتها، أين ذهبت الأسطورة؟ 

 كنا نظن أن محبتنا أسطورية، لكن الأساطير لا تنبت بين عشية وضحاها، المحبة ليست سهلة كما تحكي لنا الأساطير، قبلة الأمير لا تكفي لإيقاظ أميرته من ثباتها الطويل ولا لشفاء ندوب روحها، وقبلة الأميرة لا تكفي لتحويل الضفدع إلى أمير، حذاء سندريلا لا يكفي ليعرفها أميرها فالأحذية كلها صارت متشابهة، المحبة صعبة خارج أرض الحواديت، صعبة وثقيلة كالمغفرة، احتاج الأمر منا الكثير من الوقت لنتعافى معًا، ولتنضج المحبة بيننا من جديد على مهل، احتاج الأمر لثلاث سنوات من التجربة و الخطأ، من الوقوع والقيام، مستندين إلى كتفي بعضنا بعض، لصراعات ونقاشات وخلافات، وأخيرًا للتفهم والتسامح وتربيت كل منا على ضعف الآخر.

 

صديقان نحن، فسيري بقربي كفًا بكف

معًا نصنع الخبر والأغنيات

لماذا نسائل هذا الطريق.. لأي مصير

يسير بنا؟

ومن أين لملم أقدامنا؟

فحسبي، وحسبك أنا نسير…

معًا، للأبد

 

هذا الشهر نتم عامنا الخامس في بيت واحد، والسادس منذ قررنا أن نصبح معًا، والسابع منذ وقعت عليّ عيناك للمرة الأولى، تغيرنا كثيرًا، تغيرت مفاهيمنا عن الحب والعلاقات والوطن والزواج والرجل والمرأة، نضجنا معًا، رفيقين صرنا، والأسطورة تنمو بيننا على مهل، المجاز يتراجع ويفسح المجال لحب حقيقي أجمل من كل المجازات، محبة أجمل من الأغاني، محبة قادرة على حملنا وعبور الليالي السيئة، محبة تساند وتدعم، محبة نفهم فيها معانى أخرى للمشاركة والدعم والثقة.

 

أعرف الآن أنني لا أحتاج حذاء سندريلا، رفقتنا معًا على الطريق كافية جدًا لترتفع قدماي بعيدًا عن الأرض،

أعرف أن قبلة لا تكفي لمداواة الجرح، لكن الحديث والمساندة والرفقة الطيبة والتفهم تكفي للتربيت عليه حتى يطيب ولا يبقى منه سوى ندبة صغيرة تذكرنا فقط بقوة ما بيننا.

 

أعرف أن ما بيننا صار أسطوريًا حين خرجنا من أرض الحواديت، ووطأت أقدامنا الأرض، تخلصنا من المجازات ونضجنا معًا، كبرنا 

“كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة

وجدنا غريبين معًا

ونبقى رفيقين دومًا”**

 

* العنوان مقتبس من تتر مسلسل الشهد والدموع

** المقاطع الشعرية من قصيدة “أجمل حب” لمحمود درويش.

المقالة السابقةسوا نغامر
المقالة القادمةحُب الرمان

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا