هوس المثالية

1335

 

بقلم/ كارمينا نادي أديب

 

نشأت على عشق المثالية، حيث السبعة والتسعين بالمائة تعتبر فشلاً، شجعوني على التسعة والتسعين بالمائة فاعتبرت ما دونها- أيًّا كان -فهو فشل.

 

أردت كل شيء مثاليًا، خط منمق، كراسات مسطرة بهندسية وفن، لا كلمات مشطوبة، ولا أريد أن تكون لي علاقة أبدًا بمصحح الكلمات، فإذا أخطأت في إحدى الكلمات، فلتذهب الورقة إلى سلة المهملات، وسأعيد كتاباتها من البداية، فقد حافظت على دفتري ولن ألطخ صفحاته بهذا الطلاء الأبيض السخيف، أو بالشكل الرديء الذي تبدو عليه الكلمات بعد شطبها.

 

حتى في اللعب، لقد كنت أعيد بدء الدور في الألعاب الإلكترونية مرات ومرات إذا كنت على وشك الخسارة؛ أردت الفوز الكاسح فحسب.

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد للأسف، كبرت وكبر المرض معي، أردت كل شيء أن يكون مثاليًا، كل شيء حرفيًا، أردت أن يبدو شعري مثاليًا، أن تكون ملابسي مثالية منمقة ومختارة بعناية، أن تكون بشرتي خالية من العيوب، أن يبدو جسمي متناسقًا، أن أبدو في حالة مثالية في الاحتفالات، لذا فلنضع قائمة طويلة بما يجب عليَّ تجهيزه وشراؤه حتى أكمل صورتي على قدر كاف من المثالية.

 

على صعيد العمل.. أردت كل شيء مثاليًا أيضًا. وأردت أن تتم الأمور كما خططت لها تمامًا، فإذا حدث وخرجت الأمور عن المسار الذي حددته لها، أُصبت بالغضب والإحباط وأحيانًا الاستسلام.

 

انتظرت أصدقاء مثاليين، علاقات مثالية، وحياة تسير بالورقة والقلم.

مضت سنين، واكتشفت مرضي، لقد كنت مريضة بهوس الكمال والمثالية.

 

لا أدري ما مصدر المرض بالتحديد، لديَّ بعض النظريات، ربما كانت الجينات تلعب دورًا في هذا الأمر، لكني أعلم أن المجتمع له دور كبير في هذا الهوس، تشجيع الوالدين على المثالية في كل شيء تقريبًا، تشجيع المعلمين ومن هم في موضع السلطة في الصغر على المثالية.

 

كل هذا كان له تأثير، لم يكن هذا خطأ في حد ذاته، كونهم يشجعون الشخص على بذل مزيد من الجهد ليكون في أفضل مستوى ممكن هو أمر جيد، لكن الخطأ كان في انتهار النتائج الجيدة التي لم تبلغ الكمال، فعلى سبيل المثال، سبعة وتسعون بالمائة ليست فشلاً، إنها نجاح يتطلب مدحًا وتشجيعًا على نتائج أفضل في المرة القادمة.

 

لقد واجهت إحباطات كثيرة حتى أدركت أن ما من شيء يُدعى مثاليًا، كان عليَّ أن أعمل على محو هذه الكلمة من قاموس حياتي إذا أردت أن أكمل العيش بحرية بعيدًا عن قيود المثالية التي تطاردني. كان عليَّ أن أدرك أنه لا بأس أن أخطئ، الخطأ دليل على المحاولة الجادة، ولا نستطيع أن نقول إننا تعلمنا فعلاً إذا لم نخطئ. فمحاولاتي لملء صفحات بلا خطأ واحد هي حيلة دفاعية طفولية لا تصلح للحياة الواقعية.

 

اكتشفت أن أكثر أيام حياتي التي أحدثت فرقًا هي تلك الأيام التي أخطأت فيها. وأكثر الأشخاص تأثيرًا هم أولئك الذين امتلأت صفحات حياتهم بأخطاء، صنعوا منها سلالم للارتقاء لمستوى أفضل في حياتهم.

 

وجدت دواء ساحرًا في كلمة واحدة “لا بأس”، لا بأس إذا لم يكن شعري بأحسن حال، لا بأس إذا أوجعوا رأسي بتعليقات عن شكلي أو ما أرتدي أو عن جسمي، فأنا عازمة أن أحب نفسي كما أنا وإذا كان هناك ما لا أرضى عنه فسأبذل جهدي لتغييره فقط لأجلي، لا لإرضاء أحد ما ولا لإسكات الألسنة. لا لشيء سوى نفسي فقط.

 

لا بأس إذا لم تسر الأمور كما خططت لها في العمل، ها أنا أتعلم المرونة في الحياة واستقبال مفاجآتها بقلب واسع وروح خفيفة وعازمة أن أبذل قصارى جهدي كي لا تثقل روحي بأحداثها المتغيرة ومفاجآتها غير السارة. سأتعامل مع المواقف بما لديَّ من إمكانات، وسأطلب المساعدة إذا تطلب الأمر، فما من سبيل الآن لإعادة بدء دور جديد في اللعبة، الحياة أصبحت أكثر بكثير من مجرد لعبة طفولية.

 

لا بأس إذا كان الأشخاص غير مثاليين، لا أحد منا مثالي، عند التوقف عن توقع أن يكون الناس مثاليين، يمكنك أن تحبهم.

 

لا بأس إذا لم تسر الحياة بالورقة والقلم، إذا تخبطت فيها ولم أدرِ أي وجهة أقصدها، فيقيني أن الله يرينا الطريق الذي نسير فيه إذا طلبناه بصدق وانتظرناه.

لا بأس ما دمنا نفعل كل ما بوسعنا حيال أي شيء.

 

لا بأس، فبينما أنا أتذمر من بعض الأشياء غير المثالية، هناك أشياء أخرى تستحق الشكر، عندما يصبح الشخص ممتَنًّا، لن يكون في حاجة إلى أي حدث آخر لكي يكون سعيدًا، فهي أشياء بسيطة يمكن أن تؤثر فينا كلنا.

 

أكثر الأشخاص تأثيرًا هم الذين امتلأت حياتهم بأخطاء

 

المقالة السابقة10 طرق لإنقاذ علاقتك الزوجية من الروتين
المقالة القادمةأحباب الله
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا