نظرية القلب الأخضر

689

في قعدة صفا.. في واحدة من الصباحات اللطيفة جدًا.. في الأيام اللي ما بين الصيف والشتا.. اعترفت لصديقة عزيزة اعتراف صغيّر وخطير.

“ندى.. أنا عارفة إن المشكلة عندي، أنا معترفة إني مببذلش أي مجهود يُذكر عشان أحافظ على صداقاتي، ولا بعمل أي حاجة عشان الناس اللي بحبهم.. يعرفوا إني بحبهم”.

ليه اعتراف من جملة واحدة ممكن يكون خطير؟ جايز أكون بأفور، وجايز برضو إن زيي زي كل الناس، بيصعب عليَّ أعترف إني غلطانة، أو إني فشلت في شيء.. وفي أواخر السنة اللي فاتت (2018) حسيت بيني وبين نفسي شعور فيه مزيج بين الاتنين.. تقصير أفضى إلى فشل، تقصير في الاهتمام بالناس، في السؤال عنهم، في متابعة مستجدات حياتهم وغيره وغيره.. أدى لشعور بإنهم مبيحبونيش زي ما بحبهم، أو إنهم حاجة كبيرة شوية عندي، وأنا بالنسبة لهم البنت اللطيفة اللي بيضحكوا على بوستاتها على فيسبوك أو بيقابلوها في الطرقة في نص اليوم في الشغل، فنسلم على بعض كده وخلاص، من غير مشاعر.

أحيانًا.. بنبرر وقوع ناس كتير من دايرتنا القريبة، بإنها سُنة الحياة.. نقابل ناس نفارق ناس وماشية الحياة عادي، تروح شغل فتصاحب زمايلك فيه، تسيبه فتسيبهم وتصاحب زمايل الشغل الجديد، وساعات بيبقى الواحد مسنود على علاقة تانية ويتخيل إنها بتغنيه عن وجود الصحاب، علاقة حب، صداقة عُمر قوية، أو حتى علاقة الواحد بشغله وطموحه وأحلامه.

لكن في لحظة ما فيه شيء من برد هتحسه في قلبك، يمكن يوم عيد ميلادك والتايم لاين بتاعك فاضي مفيهوش معايدات، أو ليلة فرحك لمّا تلاقي نفسك لوحدك، ومفيش حواليك اللمة اللي بتحلي اليوم، وجايز برضو تحس لسعة البرد دي من غير سبب.. الوحدة أصلها مبتجيش بمواعيد.

أول قراراتي للسنة الجديدة كانت إني أكون شخص أفضل على مستوى الصداقات، خدت القرار وأنا مش عارفة هو سهل ولا صعب.. نظريًا، الموضوع مش كيميا، قلوب الناس دي أسهل حاجة تكسبها، بابتسامة.. بسؤال، بماسدج قصيرة تبعتها لحد على فيسبوك أو واتس آب، تسأله فيها ليه كاتب بوست حزين، بشوية مجهود بسيط تبذله وإنت بتسمع تفاصيل حكاية حب مكملتش للمرة السبعتلاف ومتين، وتسأل بعدها “ها؟ إيه الجديد؟”، وإنت عارف إن مفيش جديد حصل ولا حاجة، وإنك بتفتح على نفسك باب سماع القصة للمرة السبعتلاف ومتين وواحد.

قلوب الناس تكسبها بمشاركة التفاصيل.. بمجاملة، شوكولاتاية، بمواضيع تبان مش مهمة، أو فعلاً مش مهمة.. بس الكلام بيجيب كلام.. فعِشرة.. فتبقوا صحاب.. بالبساطة دي.

اللي جايز يكون صعب شوية، هو إعادة مد جسور الود بين الناس اللي قربنا منهم فجأة وبعدنا أو بعدتنا الدنيا عنهم، تجاوز الزعل ونظرة “إيه فكرك بيّ؟” في عينيهم، والتعدية فوق سنين بكل شيء حصل فيها، وبكل التحولات اللي حصلت في شخصياتنا وشخصياتهم، شيء مش سهل.. لكن فقدان ناس حبيناهم بجد وعاشوا معانا وعرفونا أصعب.

فيه ناس كتير مبقوش موجودين في حياتي، ومن وقت للتاني بحس إني محتاجة وجودهم، محتاجة أسمع تعليقاتهم أو حتى إيفيهاتهم، محتاجة يساعدوني في حاجة محدش يقدر يساعدني فيها غيرهم، أو حتى وجودهم كده وخلاص، والاحتياج ده ممكن يفضل جواك كشعور بالاشتياق والحنين، وممكن برضو يبقى طاقة تخليك تروحلهم، وتخليك تستحمل صدهم أو عتابهم، أو حتى فشلك في إنك ترجع علاقتهم القديمة.. بس يبقى اسمك حاولت.

العلاقات الإنسانية شيء مُعقد قوي.. رغم كلامي اللي فوق، لكن متحسش برضو إنك قادر تمسك مفاتيحها بإيدك، الموضوع صحيح سهل، لكن مش سهولة مطلقة، أومال الخذلان بيجيلنا منين لو كده؟! والخوف من الخذلان والوجع بعد العشم مشروع، لكن مينفعش يحجمنا ويخلينا نمشي خطوة ونرجع اتنين في اتجاه الناس اللي بنحبهم، وللأسف مفيش دليل لكيفية مسك العصايا من النص، لكن حلاوة الوَنس تستاهل، والشعور العظيم اللي بتحسه لمّا تلاقي إنك مُفضَّل عند حد، أو إن حد بيجري عليك بمشاكله، مش بس عشان بيثق في رأيك، وإنما لأنه بيرتاح لما يفضفضلك، يبرر المجهود اللي لازم الواحد يبذله عشان يقرب.

أول قراراتي للسنة الجديدة.. إني مفوِّتش مناسبة لحد بعزه غير وأكون جنبه فيها، إني أهتم.. اللي بيسأل عن حاجة هساعده.. حتى لو مش قريب قوي، واللي عنده حاجة هتطمن عليه، هتخطى خوفي من إني أتعشم في ناس متستاهلش أو ناس هتخذلني، وفوبيا الحوارات اللي حاساها جاتلي مؤخرًا، وهحط قلب أحمر في كلامي للناس اللي بحبها قوي، وهسمي صاحباتي بأسماء أحلى على تليفوني، وهعمل قلب أخضر في كومنتاتي وفي كلامي لناس تانية، لون الإشارة المفتوحة في قلبي.. واللي ترجمتها، “قربوا أكتر.. أنا فعلاً بحبكم”.

“قل للذين تحبهم إنك تحبهم في كلِ صباحِ ومساء”.. خلوها حكمتكم للسنة الجديدة.

شكرًا لإبراهيم محمود.

المقالة السابقةخمس قواعد لطلب المساندة
المقالة القادمةتلك الفتاة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا