مش تحت السيطرة

937

أنا هحكيلكم موقف حصل من حوالي أربع سنين، كان فيه بنت أعرفها بتحب واحد وكان حاصل بينهم مشكلة أنا مش فاكرة تفاصيلها، بس اللي فاكراه إن كلنا (أنا وأمها وإخواتها) بنحاول نقولها تبعد عنه، وهي بتعيط بحرقة شديدة جدًا وبتردد جمل من نوعية “مش هعرف – مش هقدر – مينفعش”.

 

معظمنا متابع مسلسل “تحت السيطرة” ومعجب بيه، المسلسل باختصار بيتكلم عن الإدمان والتعافي منه، مش هتكلم عن الأحداث ولا عن الممثلين ولا عن أي تفاصيل خاصة بالمسلسل، بس فيه مشاهد كتير لما شفتها حسيت إن مش كلنا تحت السيطرة، وفيه مننا كتير مسيطر عليهم إدمان من نوع ما، حتى لو مكانوش مدمنين للمخدرات.

 

فيه ناس مدمنين شغل، الشغل بيسيطر على حياتهم وبيستعبدهم، بيخليهم يلفوا في ساقيته ويرفضوا أي إنجاز تاني في أي اتجاه غير الشغل، ممكن واحد من مدمني الشغل يرفض البنت الوحيدة اللي حبته بجد ومكانتش عايزة منه أي حاجة غير إنه يحبها، بس هو مكانش فاضي، كان عنده ميتنج مهم. وفيه ناس مدمنين فلوس والبحث عنها ممكن يوصلهم ورا الشمس ويخليهم يفقدوا كل شيء. وفيه ناس بيدمنوا الأكل وكل حياتهم متمحورة حوالين فكرة الأكل أو الكف عن الأكل. وكل أنواع الإدمان دي متفرقش حاجة عن الحالات اللي بيناقشها المسلسل، حتى لو كانوا بيتكلموا عن إدمان البيسة والحشيش.

 

كل أنواع الإدمان بنلجألها لما تضيق بينا الدنيا، اللي بيدمنوا الشغل ممكن يكونوا خايفين من العيشة وسط الحاجات اللي ميقدروش يسيطروا عليها، يعني الشغل سهل رغم كل شيء، إنما الحياة الحقيقية صعبة وفيها تفاصيل كتير مرهقة، فالسهل هو إني أهرب للشغل وأغرق فيه، ومحدش ساعتها ممكن يلوم عليّ، واللي بيدمنوا الفلوس غالبًا بيكونوا حاسين بالدونية واحتقار الذات، والحاجة الوحيدة اللي بتسكّن الإحساس ده هي الفلوس، وبالتالي هو ممكن يعمل أي حاجة عشانها، وبالتالي بيروح في داهية، أما عن إدمان الأكل فده ممكن يتكتب فيه مجلدات مش مقال، وغالبًا بيصيب البنات بنسبة أكبر من الرجال، وغالبًا بيكون بسبب مشاكل ثقة بالنفس ليها دايمًا خلفيات مؤلمة.

 

المسلسل خلاني أفكر أد إيه فيه ناس كتير مننا مش تحت السيطرة، وإن كل أنواع الإدمان أعراضها واحدة، دايمًا بيكون فيه خوف مبهم من التخلي عن الفكرة اللي إنت مدمنها، إحساسك هتلاقيه بيتمرجح بين الإنكار أصلاً إن الفعل ده مسيطر عليك وبيقود تصرفاتك، وبين اعترافك بيه وخداعك لنفسك إنك قادر تتعامل معاه، أو زي ما قالت واحدة من شخصيات المسلسل “أنا واحدة مهندلة ضربي ومبسوطة كده”.

 

واحدة من شخصيات المسلسل كانت بتقول إن الإدمان هو الحل السهل، دايمًا بيكون “الضرب” (اللي هو التعاطي بلغة المدمنين) أسهل كتير من التعامل مع الحلول البديلة اللي محتاجة مجهود، وده يرجعني تاني لنفس فكرة إدمان حاجات تانية كتير، العلاقات المرهقة اللي بتفضل تستنزف أصحابها ومبيقدروش يتخلصوا منها، كل أصحاب العلاقات دي بيرفعوا شعار “اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش” أو “أنا لسه هبتدي من أول وجديد ويا ألاقي حد يا ملاقيش؟”، ده بيلخّص خوف الناس الغريزي من التغيير، واللي بيوقعهم في دايرة بتصعّب الخروج من العلاقة يوم عن التاني.

 

مش كلنا تحت السيطرة، والمشكلة إن محدش فينا بياخد باله، على اعتبار إن إدمان الأشخاص مثلاً مش خطر، وناس كتير هتلاقيهم بيتفاخروا بكونهم مدمنين شغل وفاكرينها شطارة، وناس بيوصفوا شركاءهم في العلاقة بالإدمان وفاكرين ده منتهى الحب، ومهووسي الريجيم واللي بيسموا ده حفاظ على المظهر العام، كل دي مشاكل مش تحت السيطرة، ومتفرقش كتير عن إدمان المواد المخدرة، بس الفرق إن التعافي منها سهل ومبيوصلش للموت وخراب الصحة زي إدمان الكيميا.

 

مش هقولك إن سهل تخلي كل حاجة تحت السيطرة، ومش سهل أبدًا إنك ترجّع كل حاجة لحجمها الحقيقي في حياتك، ومش سهل إنك تتخلص من إدمان الحاجات المريحة اللي بتحسسك بالأمان، بس كمان هقولك إنه مش مستحيل أبدًا، مش مستحيل إنك تعرف إن حياتك فيها حاجات تانية غير الشغل وتحاول تعيشها لحد ما تستمتع بيها، ومش مستحيل إنك تفهم إن الأكل عمره ما هيريحك وإن لازم حلول جذرية لمشاكلك الحقيقية، ومش مستحيل أبدًا إنك تعيش من غير الشخص اللي بيألمك وبيجرحك وبيضحك عليك وبياخد عمرك.

 

مش مستحيل إنك ترجّع تاني كل حاجة تحت السيطرة.

 

أقولك على حاجة؟ البنت اللي في الموقف اللي حكيت عليه في البداية خالص، حامل دلوقتي، بس عشان اتجوزت شخص تاني خالص غير الشخص اللي كانت بتقول عنه مش هعرف أسيبه.

 

مش سهل إنك تخلي كل حاجة تحت السيطرة، بس مش مستحيل.

 

المقالة السابقةعن غُرفة 156 وأشياء أخرى
المقالة القادمةinside out ..مشاعر فوضوية رائعة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا