مرحلة الخروج من القالب

577

 

بقلم: أمنية الشلقاني

بداية أود أن أسرد قصصًا صغيرة.

في أعوام عمري الأولى كنت أُعاني من السِمنة، جربت أُمي كل الأشياء بشكل عَلِق في نفسي، ولم أستطع أن أنساه، وفشل معي كل حل، حتى حصرني الناس في تلك الشخصية البدينة التي اعتدت بسببها أن أكره نفسي.

 

اعتدت سماع جمل مثل “هي دبدوبة بس دمها خفيف”، أدركت في هذا الوقت أنني لن أصبح إلا ما أنا عليه، وما رآني الناس فيه واعتدته لدرجة أنني لم أمنح جسدي مساحة ليتنفس، وفي مرحلة لاحقة أدركت أن هذه الصورة التي أصبحت عليها ربما تتغير، وأدركت بعد أن سأمت شكلي بأنني أستحق فرصة ثانية.

 

***

في مرحلة لاحقة بدراستي الجامعية رسبت في دراستي، في أول مرة جربت كل الحيل الممكنة للنجاح، بداية من المذاكرة باجتهاد إلى محاولات توقع الامتحان وفشلت للمرة الثانية.

 

عند هذه النقطة أصبحت لا أستطيع أن أُخفي ما حدث لي عن الناس، فعلموا، وكانوا ينظرون لي نظرات مليئة بالشفقة على حال الطالبة المتفوقة، سمعت بأذني كلامًا فجًا عن ما حدث لي، وعن أسبابه التي تفنن أصحابها في اختلاقها من أجل قصة مشوقة، وفي النهاية صدقتهم وتوقفت عن المحاولة، وصدقت أنني هذه الطالبة الفاشلة وأن شيئًا لن يتغير. حتى جاء يوم عثرت فيه على أوراق اعتدت أن أُدون بها أحلامي، فأفقت وأدركت مرة أُخرى أنني أستحق فرصة ثانية.

 

***

في زواجي اعتادت أُذني سماع الكثير من العبارات عن الأصول والعادات، وأنه إذا قررت أن تشرد قليلاً عن القطيع فلن يكتب الله لك النجاح، لأن هذا ما وجدنا عليه آبائنا.

تنساب نفسك قليلاً وراء هذا الكلام، مخافة فراق من تحب، إلى لحظة تدركون فيها أنكم لن تستطيعون لعب هذا الدور الذي يريده المجتمع منكم، وأنكم لا تريدون إلا أن تكونوا أنفسكم فقط، تقررون أنه من الأكيد هناك فرصة ثانية لتعيشوا حياتكم التي لن تتكرر كما أردتم، لا لتثبتوا شيئًا لأحد، ولكن لتنعموا بالسعادة كما تشتهي أنفسكم.

 

أستطيع أن أسهب في هذه القصص والذكريات، لأجد الكثير من الفرص الثانية التي منحتها لنفسي في أحلك الأوقات وأصعبها، ولو فكر كل منا قليلاً لوجد أنه منح نفسه الكثير من هذه الفرص أيضًا.

 

قديمًا قالوا إن الحياة عبارة عن فرصة واحدة لن تتكرر لك، إذا صادفتك عليك أن تغتنمها، وإلا مرَّ العمر عليك وأسفًا على ما قد كان.

ومع مرور الوقت والتجربة أدركت أن الحياة ليست دائمًا فرصة واحدة، ليست أبدًا فرصة واحدة.

الحياة عبارة عن سلسلة متتابعة من الفرص الثانية، التي لا أعتقد أن الناس هي من تمنحنا إياها، ولكننا نهبها لأنفسنا.

 

يضعك الناس في قالب تختار بإرادتك أن تصدق أنك بدين أو غبي أو فاشل أو قبيح، ولكنك لست كذلك، تخبرك نفسك بهذا مرارًا وتكرارًا، وتنظر في أعين الناس، وتصدق أنها مرآتك حقًا، ولكنها ليست كذلك، وما هي الجدوى بالأساس من الاستماع إلى الناس وهم لا يجرون إلينا إلا الضعف؟

 

قد تختار في مرحلة من عمرك أن تصدق القالب الذي وضعك الناس فيه وترتاح إلى هذه الفكرة، قد تنتظر طويلاً أن يتغير رأيهم عنك وفيك، لتتغير وتعطي نفسك فرصة ثانية للتغيير وللحياة.

والحقيقة أنك لو حاولت أن تمنح نفسك فرصة ثانية فقط لإرضاء الناس ليغيروا قالبك القديم بقالب جديد عليك، فلا أعتقد أنك ستستطيع أن ترضيهم ولن تُرضي نفسك بالطبع.

 

نحن من يجب أن يصدق ويمنح لنفسه فرصة ثانية وجديدة كل صباح، لإرضاء نفسك وراحتها، ومهما تصور الناس عنك فإنهم لا يعرفونك كما تعرف أنت نفسك، ولا يعرفون راحتك كما تعرفها أنت.

 

كيف لا نستحق جميعًا من أحسننا إلى أسوأنا فرصة ثانية، إذا كان الله يعطينا دائمًا فرصة ثانية، إذا كان يقبل توبة العاصين، هل تعتقد أن الله يوقظك كل صباح من موتتك الصغرى عبثًا دون سبب؟ الحقيقة أنه يوقظك ليخبرك أن أمامك فرصة ثانية لتُصلح ما أفسدته بالأمس، وما أردت تغييره قبل أن تنام.

كيف إذًا تصدق الناس إذا أوهموك أنك لا تستحق شيئًا وقالوا لك إنك لا تساوي مثقال ذرة؟

 

 

المقالة السابقةأول يوم مدرسة
المقالة القادمةرؤية هدف الحياة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا