مدد رضوى عاشور الذي لا ينتهي

864

عزيزي القارئ.. بدأت الكتابة في هذا المقال تقريبًا في الثانية صباحًا، حيث اضطر زوجي للسفر فجأة لأسباب عائلية، والسؤال الوحيد الذي يلح عليَّ: كيف قضت “رضوى” الليلة الأولى مع رضيعها “تميم” بعد ترحيل “عم مريد”؟

 

لا شيء يعوض غياب الحبيب.. لا شيء إطلاقًا.. فوجود “تميم” قد يهوِّن الأمر، لكن لا يعوضه، فحب “تميم” غير حب “مريد”، ومدد كليهما مختلف، والمشاعر تجاههما حتمًا ليست نفسها.

 

كنت أقرأ في صغري ثم توقفت لأسباب كثيرة، أهمها العُرف التقليدي لأخلاق الطبقة المتوسطة التي أنتمي إليها، بأن الاهتمام بالدراسة أفضل وأبرك، كما أن القراءة لم تكن من الأنشطة المحببة لأنثى من تلك الطبقة الاجتماعية.

 

عدت للقراءة ووجدت شغفي بها بعدما بلغت العشرين. سمعت عن “رضوى” وقررت القراءة لها. كان أول ما قرأته “فرج”.. ما كل هذا القدر من الجمال؟! شعرت حرفيًا بما قاله “تميم”: “أحس من سحر القراية عايز أقوم وأتوضى”.

 

في تلك الأثناء كانت لي محاولات في الكتابة، اكتشفت طبعًا أنها رديئة للغاية بعدما قرأت لـ”رضوى” فتوقفت. أحدثت “رضوى” بداخلي إجلالاً وتعظيمًا لفعل الكتابة نفسه. قرأت كل كتاباتها وحلمت بها عدة مرات، خصوصًا في أوقات تعبي وضيقي.

 

فتحت “رضوى” داخلي وداخل كل من قرأ لها آفاقًا جديدة للبحث، فتجد نفسك مُرغَمًا على البحث عن تاريخ الأندلس بعد قراءتك “ثلاثية غرناطة”، وتبحث عن تاريخ مصر بعد اطِّلاعك على “فرج”. أما سحرها في وصف يومياتها في أمريكا عندما كانت طالبة للدراسات العليا، والتي عاشتها في عمر يقارب عمري الآن كانت تهمس في أذني “كوني قوية”. تكتب “رضوى” لهدف ورسالة عظيمة، بعكس معظم من يُطلِقَن على أنفسهن روائيات، أما “رضوى” فصاحبة ذوق رفيع وثقافة ممتدة.

 

عندما قرأت “أثقل من رضوى” في بداية العام 2016 لم أكن أعلم أن “رضوى” ستتحول من كاتبتي المفضلة إلى أن تصبح مثلي الأعلى. بكيت كثيرًا في القراءة، كنت أبكي السيدة وأبكي نفسي وألعن الدنيا التي لم تمكنني من رؤيتها ولو لمرة واحدة.

 

شعرت بالونس أثناء القراءة “في أماكن لا يلحظها غيري”، فمثلاً عندما تحدثت “رضوى” عن السيدة “شوانوما”، وهو ذلك التجمع السخيف الذي كان يظهر لها بصورة متكررة، وجدتني أتحسس رقبتي أنا أيضًا، يظهر لي تجمع في رقبتي كل عدة شهور أو سنوات. أفي المرض ونس أم هو ذلك الشعور الغريب الذي يشعرك بسعادة خفية عندما تشبه من تحب حتى عندما تتشابه أوجاعكما؟ لا أعرف.

 

ملمح آخر من “السيدة راء” وقفت عنده كثيرًا، فـ”رضوى” وارت الثرى في الأول من ديسمبر، وهو نفس تاريخ ميلادي.. ما معنى هذا؟! أهي الصدف الكونية فقط أم أنه لا وجود للصدفة في هذا الكون؟

 

أيًّا كان التفسير، فرحمة وقبول وسعادة لـ”رضوى” في عالمها البعيد، وأتمنى لنفسي مقدار الحب الذي لا تزال “رضوى” تناله من “مريد”، وأن أترك أثرًا واضحًا في حياة ابنتي كما تركت في حياة “تميم”.

 

يوميًا أفكر بها وأسرح كثيرًا في تفاصيل حياتها اليومية، فأراها تلاعب “تميم” صغيرًا وتحكي له عن الحق والعدل والقدس وترحيل أبيه. وأشاهدها وهي امرأة خمسينية بلباس بيتها البسيط تجلس للكتابة ليلاً ثم تقوم صباحًا للذهاب للجامعة، وبعدها للتحرير معصوبة الرأس في أيام مرضها.

 

غاليتي “رضوى”.. سأزوركم في العالم الآخر حتمًا في يوم ما.. سأجلس بجوارك ممسكة بيدك، الأمر الذي ربما يغار منه العم “مريد” ويضايق “تميم” حتمًا.. لكننى أعرف أنهما يملكان من نخوة العرب ما يمكنهما من الترحيب بضيفة، حتى وإن كانت ثقيلة الظل مثلي. سأسمع منك وربما نستمع للشعر من العم “مريد”، وربما سيحكي “تميم” عن طفولته وشبابه، ولكن المؤكد أنني سأخبرك قبل ذهابي عنكم أنك غيَّرتِ حياتي كلها للأفضل، فشكرًا لكِ يا غالية على مدد لا ينتهي ولا يزول.

 

فتحت “رضوى” بداخل كل من قرأ لها أفاقًا جديدة للبحث

 

المقالة السابقةكيف لعام واحد أن يحمل كل هذا التغيير؟
المقالة القادمةياما جاب الغراب لأمه

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا