متجريش ورا الكاس الفاضي

1168

في فيلم السيارات (Cars) مشهد لـ"برق بنزين" أو "ماكويين" بيحاول يزُق "الملك" عشان يكمل السباق اللي كان آخر سباق له، وفي
اللحظات اللي وقف فيها "برق بنزين" يواسي ويشجع "الملك" اللي كان منافس له -بالمناسبة- في السباق، "الملك" قاله بما معناه إنك كده
خسرت كاس المسابقة اللي كنت بتحلم بيه وهو هدف رحلتك. وطبعًا ده كان أصلاً الهدف اللي "برق بنزين" بيسعاله من أول أحداث الفيلم
لولا بس المفارقات اللي خلته يغيّر مساره، مع شوية تفاصيل ومواقف كتير بين "برق" وبقية العربيات و"الملك". أولويات "برق"
اتغيرت، "برق" العنيد المندفع مبقاش "كاس البستون" أهم حاجة في حياته، يمكن دي كانت أكتر جزئية مؤثرة في الفيلم، تحديدًا لما
"برق" قال لـ"الملك": فيه بطل قديم مرّة قالي إن الكاس مجرد كوباية فاضية.

كل يوم بقى بنصحى من النوم نجري ونتسحل في سباق ما عشان نلحق نكسب كوباية فاضية! ومش كلنا بننتبه زي "برق" في اللحظة
المناسبة إن السباق مش هو هدفنا وإن فيه حاجات تانية أهم. ونيجي بعد شوية وقت كبير نكتشف إن الوقت اللي كان ممكن نعمل فيه كذا
وكذا ونعبر عن اللي جوانا ومنأجلوش وندّي شوية حاجات حقها فعلاً.. كل المكاسب الحقيقية دي، عن رضى وطيب خاطر بدلناها
بكوبايات فاضية، ينفع بس تتملي مية ونعمل فيها مراكب ورق نتفرج عليها وبس.

من فترة قصيرة كنت بتكلم مع صديقة ليّ واقفة بين مفترق طرق في حياتها العملية، هل تكمل في مجال لا يضيف لها أي جديد في
أرشيف العمل عشان الناحية المادية وتحمل المسؤولية الكبيرة لخوفها الدنيا تقف بعدها، في الوقت اللي الشغل بيستنزف وقتها وروحها
وطاقتها بالكامل، ولا تسيب الشغل وتعيد ترتيب أولويات حياتها وتبدأ من جديد تشتغل الشيء اللي بتحبه مش تحب اللي بتشتغله؟

الحقيقة كنت في موقف صعب شوية، إنك تساند حد في قرار هو مش عارف تحديدًا هيعمل إيه بعده لكن في نفس الوقت شايفه بيغرق
وحياته بتتوه بدون إنجاز حقيقي فلازم تقول النصيحة الصح في الوقت الصح. خصوصًا يعني لو مرّيت من قبل بنفس التجربة بحذافيرها.

لكن توصلت في الآخر إن لمّا بنقرر نكمل في شغل بيستنزف طاقتنا بدون ما يضيف لحياتنا أي قيمة حقيقة، بنكسب كوباية فاضية.
افتكرت كام مرّة أجلت فرصة، حلم، تجربة، خروجة.. عشان حاجات اكتشفت بعد كده إنها لا شيء يُذكر بجانب متعة الإنجازات
الصغيرة.
افتكرت إن في عز تألق موهبتي في الصناعات اليدوية وأحلامي العظيمة اللي كنت بمشي تجاهها بخطي ثابتة، ندهتني نداهة الشغل
الروتيني المستقر. واكتشفت بعدها إن أسعد أوقات حياتي اللي عرفت فيها نفسي تقدر تعمل إيه كانت وقت ما خدت قرار ترك الشغل
السابق.

صحيح عندي أرشيف عملي يشرف، عقلي مقتنع بيه تمامًا، لكن لمّا ببص جوة روحي بلاقي مجموعة كوبايات فاضية جواها أحلام
مؤجلة، دي كوباية الصناعات اليدوية، دي كوباية التفصيل، دي كوباية حكي الحواديت للأطفال، ودي.. كوباية السفر.
وصديقتي في غنى تام عن أي كوبايات فاضية جديدة.

في نفس الأسبوع قابلني موقف تاني لبنوتة مش قادرة تحدد هي عايزة إيه في حياتها، وعلى عكس الموقف الأول لصديقتي، البنوتة التانية
قررت بسرعة جدًا جدًا تجري ورا كوباية فاضية على حساب إنجاز حقيقي كان بيتكونلها مع الوقت.. بدون أي حسابات للخبطة الدنيا
بعدها.

الخلاصة.. إن الدنيا في كل الأحوال مش بتقف على أي شخص، العجلة بتدور والتروس بتلف بنفس الروتين، وجودك في مكان ما في
الحياة لو مش بيضيف جديد ليك قبل أي حد تاني، يبقى قِلِّته أحسن.
لو الوقت بيعدي وإنتي بتدوري وتلفي في دايرة مقفولة بدون أي جديد، حتي لو كل سُبل الراحة جوة الدايرة، هتكتشفي بعد شوية سنين
إنك كنتي بتجري في سباق كوبايات فاضية. محدش بيتعلم المشي بدون ما يقع ومحدش بيكتشف هو يقدر يعمل ويوصل لإيه بدون ما
بيجرب.

ده ميمنعش إن في أوقات كل الظروف بتجبرك تجري في سباق مش بتاعك ولا شبهك، لكن في وقت معين بيكون قرارك في إيدك تكملي
ولا تقولي Stop كفاية لحد كده.. أنا أهم. وده بينطبق على كل علاقات الحياة مش الشغل بس.

المقالة السابقةالستات بطلات بتعمل معجزات
المقالة القادمةبراءة حرية
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا