ما تيسّر من سيرة الخايفين

720

معلومة: يوجد أكثر من 530 نوع من أنواع الفوبيا موثقة.. على الأقل!

 

لما كنا صغيّرين كانت كل حاجة سهلة.. تكوين العالم نفسه بسيط وأبعاده واضحة، وتقريبًا منظومة الحياة كانت بتحصل من تلقاء نفسها، فمكانش فيه داعي نقلق بخصوص حاجة أو نفكر في السؤال اللي هيجيبلنا لاحقًا صداع مزمن مصحوب بتيبّس في عضلات الوش ع الوضع البائس المبتئس “كيف تحدث الأشياء؟”.. مكناش بنفكر.. كنا بنتفاعل على طول، نفرح.. نزعل.. نضحك.. نعيّط.. ونخاف.

 

على سيرة الخوف، كانت الحاجات اللي بتخوّفنا شبهنا. مباشرة وتلقائية وبسيطة، مفزعة.. بس بسيطة، كنا بنعرف نحطلها تعريفات واضحة ومحددة وبتكوّن جملة مفيدة. الأمان كمان كان سهل ومباشر زي الخوف. فاكرة في مرحلة من حياتي كانت القاعدة لضمان البقاء آمنة سهلة: “ابعدي عن تحت وخليكي فوق، تحت السرير مخيف، فوق السرير أمان. تحت الدولاب مخيف.. جوة الدولاب مكان صالح للاختباء من أي خطر محيط. ويُفضّل البعد عن الأوض الضلمة”.. آز سيمبل آز إت!

 

اللي حصل بعد كده إننا كبرنا.

كبرت معانا مفاهيمنا، ونظرتنا لكل حاجة اتغيّرت، فبقت العفاريت بتظهرلنا في أماكن كتير مش بس في الضلمة. وبقى تعريفنا لما وراء الطبيعة بيتخطى فكرة الحاجات اللي خارج مجال الإبصار، بقى فيه حاجات خارج مجال الإبصار مدركين وجودها، متعايشين بيها، ومحدش غيرنا شايفها أو مصدّق في وجودها. فبقت فكرة إننا نخاف في حد ذاتها مخيفة جدًا! عرفنا إن الخوف ممكن يؤدي للوحشة، وعرفنا قصور اللغة، فبقينا لما حد يسألنا عن اللي بيخوفنا نسكت لأن محدش هيفهم، ولو حد فهم مش هيصدق في عفاريتنا.

 

معاني المفردات:

  1. Safe zone: area in which a human being feels safe

 

مقالش المنطقة اللي بنعرف فيها نصرف عفاريتنا.. مقالش المنطقة اللي بنقدر نتغلب فيها على الخوف.. ومقالش مواصفات معينة للسيف زوون، كل المطلوب: منطقة تحس فيها بالأمان.. تطمّن. الخوف موجود.. والعفاريت اللي بتطلعلنا لسه موجودة.. بس برة دايرة الأمان.

 

  1. المؤانسة: مؤالفة

يُقال آنَس صديقَه أزال وحشتَه وأدخل إليه الطُّمأنينةَ والأنسَ “آنسه في وحدته” .

كلمة مؤانسة أو ونس مشتقة من لفظ “ناس”.. بس مش أي الناس، القريبين منهم.. الصاحب اللي كان بيخاف معاك زمان من العفاريت اللي تحت السرير، الصاحب اللي كان بيقعد معاك في الأوض الضلمة “عشان العفاريت متطلعلكش لوحدك”.. الصاحب اللي بيخاف معاك.

 

حدوتة:

الخمس أسابيع اللي فاتوا كانوا تقريبًا الفترة الأسوأ من كتير قوي، أيام سيئة وحالة خوف من كل حاجة وأي حاجة.. خوف تطوّر للبانيك أتّاكس.. وكان في طريقه عشان يتحول لسوشيال فوبيا. خوف كان طايل كل حاجة حتى الكتابة، لدرجة إني بخاف أوثق الأيام دي بالكتابة عنها أو الحكي.. لما ببص دلوقتي ع الأيام اللي فاتت، بلاقي إنها عدت بكل تقلها، وكل اللي متبقي منها، مجموعة صور كان بيبعتهالي “الأقربين”.. الناس اللي عرفوا إني خايفة وقرروا يطمنوني بالمؤانسة.. يدخلوا معايا الأوضة الضلمة بشوية تفاصيل: “صورة لبحر إسكندرية، صورة لاسمي مكتوب على تراب عربية، وتسجيل لقرآن الفجر مختلط بصوت عصافير”.. ده كل اللي باقي من الأيام اللي فاتت. أنا لسه خايفة، بس كل الفرق إني مبقتش لوحدي.. بقى حواليّ ناس شايفين إن فيه حاجة تستدعي الخوف بجد.. اتضح إن السيف زون بتاعتي هي المؤانسة بالأقربين اللي بيخافوا معايا ويخافوا عليّ.

 

في الغالب لما بنخاف من عفاريتنا بتبقى آخر حاجة محتاجينها هي حد بينكر إن فيه عفاريت.. مبنبقاش محتاجين حد ينكر مخاوفنا وهواجسنا الشخصية، مبنحتاجش حتى حد يقولنا متخافوش، مبنحتاجش حد يفكرنا إننا أقويا أو إننا عدينا الأسوأ من كده. كل اللي بنحتاجه حد يمسك إيدينا، يدخل معانا أوضتنا الضلمة، ويصدقنا.. يصدق في وجود عفاريتنا.. إنها تستحق نخاف منها.

المقالة السابقةأجمل عبارات عن بيت الجد والجدة: طعم الحنية والدفا
المقالة القادمةكُلنا مدمنون لا أستثني أحدًا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا