ليه بنخاف نقرب من الناس؟

1263

حصل إنك فكرت تكلم حد من صحابك تقوله وحشتني وتراجعت، وإنت بتقول لنفسك مين فاضي للكلام ده دلوقت؟ أو إنك كنت عاوز تزور حد من قرايبك بس مرحتش عشان مزنوق في الفلوس ومش قادر تاخد معاك حاجة عليها القيمة؟ أو كنتي عاملة حاجة حلوة وفكرتي تاخدي منها لحماتك بس خفتي متعجبهاش؟ مواقف شبه دي بتحصل معانا كتير.

 

الفكرة اللي بيقدمها إعلان أورانج السنة دي، إن الحاجات الصغيرة الحلوة اللي بنقولها أو بنعملها مع الناس ممكن تفرق معاهم كتير. الحاجات الصغيرة دي ممكن تبقى مكالمة تسأل بيها على حد، زيارة لحد من أصحابك أو قرايبك، حاجة زيادة عندك فتديها لحد، هدوم ابنك اللي صغرت عليه تديها لصاحبتك الحامل، تورتاية تاخدها لمامتك في عيد ميلادها، شوكولاتاية تجيبها لمراتك وإنت راجع من الشغل، كلمة حلوة لبنتك، حضن لابنك، كلمة شكر لحد على حاجة حلوة عملها، مكالمة لمامتك تسأليها إذا كانت عاوزة حاجة تجيبيهالها وإنتي راجعة من الشغل… إلخ.

 

قايمة من الأفعال لا تنتهي، حاجات سهلة، ويمكن بعضها ميستغرقش دقيقة، لكن ساعات بتبقى تقيلة على قلوبنا زي الجبل، وبنتردد كتير قبل ما نعملها، ويمكن منعملهاش خالص. يا ترى ليه؟!

 

الأسباب كتير.. منها الخوف من اللوم والأحكام والرفض، والاعتقاد إننا مش مهمين ومش محبوبين. غالبًا المخاوف والمعتقدات دي بتكون ناتجة عن الطريقة اللي اتربينا بيها، زي مثلاً إننا كنا بنُنتَقد كتير وبنتلام على كل حاجة، ومهما بذلنا من مجهود كان بيوصلنا رسالة إنه مش كفاية وفيه أحسن، أو إن مش كل مشاعرنا كانت بتتقبل، لكن كان بيتم توبيخنا وتعنيفنا عليها، أو إننا مكناش بنحصل على الاهتمام والحب اللي محتاجينه وإحنا أطفال. ممكن المخاوف دي تغذيها تجارب قاسية مرينا بيها وإحنا كبار اتعرضنا فيها لرفض شديد.

 

فنكبر وقبل ما نعمل حاجة أو نقول كلمة نحسب حسابات كتير، تخافي تتصلي بحد تطمني عليه، فبدل ما يفرح ويشكرك يقعد يلومك عشان مبتسأليش. تيجي تزوري حد فتقولي لازم آخد معايا حاجة حلوة من المحل الفلاني أو هدية متقلِّش عن كذا عشان شكلنا قدام الناس، ولما تلاقي التكلفة فوق طاقتك أو هتزنقك خاصة في ظل الظروف الاقتصادية اللي إحنا فيها، فمتروحيش، أو تروحي وتزنقي نفسك، بس تحسبيها ميت مرة بعد كده قبل ما تفكري تزوري حد.

 

إلى جانب الخوف من اللوم والأحكام، فخوفنا من الرفض كمان من الحاجات اللي بتخلينا نحط الحواجز بيننا وبين الناس. فممكن نبقى عاوزين نقرب لحد بمساعدة، بسؤال، بمجاملة، بكلمة حلوة، بس نخاف مشاعرنا الجميلة دي تتلاقى بفتور، أو تترفض، أو تتم السخرية منها واعتبارها من السذاجة، أو نخاف نتفهم غلط. فنلاقي نفسنا نفضّل نبقى مستخبيين ومش موجودين، بدل ما نخاطر ونتألم.

 

بيعوقنا كمان عن القرب وتكوين العلاقات الاعتقاد بإننا مش مهمين “يعني هو سؤالي/ وجودي/ مساعدتي اللي هتفرق؟ ما فيه غيري كتير”، مشاعر الرفض والدونية، والاعتقاد بإن وجودنا مش فارق وإننا مش متشافين بيخلينا نبعد وننزوي.

 

نتعامل مع المشاعر دي إزاي؟

* أولاً.. محتاجين نفهم معنى “الوالد الداخلي”، وده صوت اتكون جوانا نتيجة أسلوب أبونا وأمنا الحقيقيين في معاملتنا وإحنا أطفال. فلو كانوا بشكل عام مشجعين ومحبين هنبقى بنكلم نفسنا بالطريقة دي، ولو كانوا قاسيين ولوَّامين هنكلم نفسنا برضو بالطريقة دي، حتى لو هم مبقوش موجودين. مسؤوليتنا نعرف إن الصوت ده لا يمثل حقيقتنا، وبالتالي نغير الطريقة اللي بنكلم بيها نفسنا. فلما أبطل أنا أجلد نفسي، طريقة الناس هتتغير معايا، أو هعرف إزاي أرد اللوم، أو على الأقل مش هتأثر به. ده إلى جانب إن الناس في حياتنا دواير متفاوتة في القرب والبعد وطريقة المعاملة، وإحنا بإيدينا نحط كل واحد في المكان المناسب.

 

* ثانيًا.. إحنا محتاجين نبعد عن التكلف في بعض العادات، ونكون أكثر بساطة ونفكر في اللي ممكن يفيد الناس اللي رايحين لهم. مش لازم عشان أزور حد آخد معايا حاجة غالية تفوق قدراتي، أو أستدين مثلاً عشان أعمل كده.

 

لما ولدت بنتي، زوجين من أصدقائنا جابولنا معاهم وهم بيزورونا شكارة رز وعلب عصير، فكرة عملية جدًا، لأن تقريبا مفيش بيت مش بيحتاج رز، والعصير نفعنا في تقديمه للضيوف اللي كانوا بييجولنا كتير وقتها. لو بنزور فيه مريض سكر مثلاً، فيمكن الفاكهة تبقى أنسب من الحلويات. وبصراحة كمان إحنا محتاجين نقدَّر الزائر نفسه وإنه أخد من وقته ومن مجهوده عشان يجيلنا، فأعتقد إن كتير مننا مش هيبص هو جايب إيه في إيده، ولا جايب هدية منين أو بكام.

 

لو إنت موافق على الكلام ده، يبقى أكيد فيه ناس برضو بتفكر كده، بس يمكن خايفين ياخدوا المبادرة برضو. وأعتقد إن تنفيذ فكرة زي دي محتاج حكمة في اختيار الأشخاص اللي ممكن نتعامل معاهم بهذه البساطة والعفوية.

 

* ثالثًا.. لو حاسة إنك مش مهمة وإن اللي هتقدميه مش فارق، فأحب أؤكد على إن العبرة بنوعية وجودك، اللي بيخرج من القلب بيوصل للقلب وبيفرق وبيؤثر. ولو حد مرضيش يستقبل حبنا، فده مش معناه إننا منستاهلش نتحب، ومش معناه إن الآخر سيئ، لكن يمكن يكون مفيش وفاق، ممكن يكون مش جاهز يستقبل الحب ده دلوقت، ممكن أكون اخترت الشخص غير المناسب، ممكن أكون عرضت مساعدتي أو عبرت عن مشاعري بطريقة غير مناسبة.

 

* رابعًا.. محتاجين نتخلى عن دور المنقذ، اللي هو بيضغط على نفسه بزيادة وطول الوقت عشان يساعد الآخرين ويسعدهم، ويلح في تقديم العون والنصيحة والمشاعر، ويحس بالذنب لو معملش كده. دور المنقذ ممكن يوصل للي قدامك رسالة إنه معندهوش حرية يقبل المساعدة أو يرفضها. فأنا أعرض المساعدة اللي أقدر أقدمها، وفي الوقت المناسب لي وللآخر في نفس الوقت، ومن غير ما أحس إنهم من غيري هيضيعوا، إو إنهم مينفعش يرفضوا مساعدتي وإلا يبقوا بيرفضوني أنا شخصيًا.

 

* أخيرًا.. لما بناخد جنب عشان نحمي نفسنا من ألم الرفض، فإحنا في نفس الوقت بنحرم نفسنا من الحب. هي شيلة على بعضها: بنخاطر مخاطرة محسوبة ونقرب، وزي ما فيه احتمال إننا نترفض، فيه احتمال إننا نتقبل ونتحب ونكون علاقات حقيقية ودافية.

المقالة السابقةسوبر مان والشورت الأحمر
المقالة القادمةدليلك لاختصار وقت المطبخ في رمضان

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا