ليس كل حزن اكتئاب ولا كل اكتئاب ترف

1952

(1)

تقول لي صديقتي إنها حينما كانت تشكو لوالدها من أعراض الاكتئاب، كان يقول لها ساخرًا “دعيني أضربك علقة ساخنة تتسبب لكِ في ألم مبرح، ولننظر وقتها هل سيظل الاكتئاب قابعًا ها هنا أم سيغادر بعدما تنشغلين بالوجع الحقيقي!”. يضع والد صديقتي يده على نقطة هامة، ويضع أيدينا نحن على نقطة هامة أخرى.

 

النقطة الهامة التي يضع يده عليها أنه ببساطة ليس كل ما نعانيه يمكن أن نُطلق عليه اكتئاب، ليس كل حزن مقيم هو اكتئاب، وليس كل شجن لا يغادر هو اكتئاب، وليس كل فقدان لمذاق الأشياء اكتئاب، وليست كل الهواجس والمشاعر والأفكار السلبية اكتئاب.

 

أسمع وأقرأ عشرات الشكاوى يوميًا لأشخاص يصفون حالاتهم بأنها اكتئاب مزمن، لمجرد أنهم يعانون من حالات حزن دائمة، أو فقدان القدرة على التعاطي مع الحياة بشكل مستمر، ذلك الاكتئاب الذي يدَّعونه يذهب مع وجود أول ما ينشغلون به، وهو ما جعل والد صديقتي يصف روشتة العلاج بأن تكون علقة مبرحة، حتى يشغلها الألم البدني المادي عن أفكارها، فلا يعد لديها المزيد من المشاعر التي تملك ترف استنزافها في الحزن.

 

أما النقطة التي يضع أيدينا عليها، هي أن البعض يُعاني بحق.. يُعاني جدًا.. وما يزيد من معاناته أن من حوله لا يفهمون حالته ولا يُقدِّرون خطورتها، ربما لا يجد منفذًا سوى صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يبث فيها شكواه، ليتعامل معها الجميع بشكل عابر، لتجده بعد عدة أيام قد انتحر.

 

(2)

في قصيدة شعرية إنجليزية تصف صاحبتها ما تمر به من أعراض الاكتئاب، محدثة والدتها التي لا تستطيع فهم ما تمر به، بأنه ذلك النفق المظلم الخانق الذي تشعر معه أن ضوء الشمس يؤلم عينيها ويحرق بشرتها فلا تطيقه، هو ذلك الشعور الذي يجعلك فاقد الرغبة بالكلية أن تغادر سريرك، فلا رحلة أو سفر أو جلسة مع الأصدقاء تستطيع أن تقلل من حدّة معاناتك.

 

يقولون إن الاكتئاب هو ذلك الكلب الأسود الضخم الذي يجلس دائمًا بالقرب منك ومركزًا نظره عليك.. حقيقةً هو ربما يجلس على صدور البعض إلى الدرجة التي تدفع البعض لشرب أقرب نوع من السم للتخلص من الحياة بأكملها، بعد أن يصبح هذا الشعور مُسيطرًا وطاغيًا.

 

(3)

الاكتئاب الذي قد يُعاني منه حتى الأطفال، وتجسد ذلك في عمل روائي قالت عنه صحيفة “ديلي تلجراف” البريطانية، إنه من بين أشهر روايات الإثارة التي حظيت بشعبية في العصر الحديث، وهي رواية كتبتها المؤلفة الدانماركية “جين تيلر” بعنوان “لا شيء”، وتتناول زاوية أن أطفال اليوم يخشون من عدم وجود شيء مهم في هذه الحياة، فتدور أحداث روايتها حول طفل في الثالثة عشر من عمره يعاني الاكتئاب، حيث يترك مدرسته ويقول لزملائه “لا شيء يهم، لذلك فلا شيء يستحق القيام به، كل شيء يؤول إلى النهاية”. وقد كتبت تيلر روايتها حينما كانت هي نفسها تمر بأزمة اكتئاب.

 

فما يجب فهمه لنجيد التعامل مع الاكتئاب، أنه لا حالة معينة تستوجب الاكتئاب ولا حالة تستبعده، النصيحة الدائمة التي يوجهها الأهل متجسدة في أن العلاج يتمثل في الذهاب إلى المسجد أو الكنيسة، وهو ما قد يُجدي لفترة مؤقتة، لو لم يحصل التفهم الحقيقي للحالة، حتى لا يصل أصحاب الاكتئاب الحقيقي إلى مرحلة التخلص من الحياة.

المقالة السابقة11 حاجة ممكن تدمر حياتك
المقالة القادمةوهل العنف هو أن يتأذَّى جسدي؟!
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا