ما هو الخذلان في الحب؟ وكيف يمكنك تخطي الخذلان من الحبيب

6830

 

 

منى عبد الفتاح

نقترب.. ولم يكن القرب منهم في حسباننا، نقترب لأنهم اقتربوا جدًا.. ولأنهم من قبل ذلك أغرونا، بالذي كانوا يعرفون أننا نحتاجه، غمرونا بالحنان.. وأغرقونا اهتمامًا، وملؤوا عالمنا بألف لون ولون، وبطريقة سحرية ما. عرفوا ما يسعدنا، عرفوه ربما أكثر مما نعرفه نحن، ففعلوه، وأتقنوا تقديمه لنا، وكأنما سخرهم الله لهذه المهمة.

نقترب.. لأن نفوسنا التوَّاقة للحب أغرتنا، لأن صورتنا كأبطال لكل الحكايات الأسطورية التي حاصرتنا منذ كنا أطفالاً، في الأغاني وفي الأفلام وفي قصص الجدات، قد بدت أقرب من أي وقت مضى بوجودهم. لأن شمسًا من حيث لا ندري، أشرقت عن يميننا، وقمرًا صار ملازمًا لنا منذ أن ظهروا.. فما كان من الحكمة إلا أن نقترب.. وقد فعلنا.

نقترب لأننا حين اكتفينا بمراقبتهم، من خلف حصننا المنيع، الذي شيَّدناه بيننا وبين العالم بعد ألف جرح وجرح، رأينا في أعينهم دموعًا، ولمسنا في أرواحهم كسرًا.. وسواء مرروا لنا هم رسالة ما ببريد سري، أو تخيلنا ذلك نحن.. فإننا شعرنا أن خلاصهم لن يكون إلا بأيدينا.

نفعل، وفي أيام القرب الأولى، نُحلِّق.. نملك الأرض وما عليها.. نشعر وكأنما نتنفس من خلالهم، وكأنما نتنفسهم.. تعلق رائحتهم بكل شيء، وتصير أعينهم أعيننا.. نرى الأشياء كما يرونها، ونراهم في كل شيء، نعيش معهم وكأننا نختبر الحياة للمرة الأولى، ويكسو بهاؤهم كل شيء، حتى أن نكهة الطعام تتغير في حضرتهم، تصبح الأغاني أجمل.. حتى وجوهنا يطالها شيء من نور، فلا نعود قادرين على أن نخفي أمرًا غريبًا صرنا بفضله للحياة أقرب، ونحن في الأساس.. لا نريد أن نخفي.

يعرف المقربون، ويعرف غيرهم.. أن أمرًا في حياتنا قد جد.. تحاصرنا الأعين ونسير بينهم في خيلاء. هل يصيبنا الحب بالغرور؟ نكتشف الإجابة الآن.. لمَ لا نكون مغرورين وقد ملكنا الكون؟! يهمس الحب لنا، بأننا محظوظون أكثر من الجميع، نتقافز في سيرنا، ويملأ المرح كل شيء، وفي لحظة النشوة الكبرى.. يحدث ما كان ينبغي أن نتوقع حدوثه من البداية..

يخذلوننا!

هل جربت الرقص في السماء السابعة، لتكتشف فجأة أنك كنت ترقص على الحافة، شيء تعرفه متأخرًا جدًا، بعد أن ترتطم رأسك بالأرض؟ إن لم تكن قد جربت.. فهذا هو الخذلان.

هل جربت أن تمد يدك بوردة لأحدهم، فترى في عينيه أنه يوشك أن يقدم لك باقة من ألف ألف وردة.. فتبتسم، وتلمع عيناك.. ليمد هو يده إلى قلبك بخنجر؟إن لم تكن قد جربت.. فهذا هو الخذلان.

الخذلان مؤلم.. مرعب.. مباغت.. كالموت، وإن كان الموت للبعض راحة، فلا راحة لقلب بعد أن يُخذل. في الخذلان نسير وكأن فوق ظهورنا جبلاً.. لا أحد يراه، وحدنا نشعر به، تثقل أرجلنا، وتبهت وجوهنا، وتصدر قلوبنا أنَّات مكتومة. تنعكس على أصواتنا، فتخرج مرتعشة، وترتعش شفانا، مقاومةً نهر دموع يود أن يثور. نتحامل على أنفسنا كل لا يفعل، لأننا لن نحتمل نظرة شفقة أو شماتة في أعين كنا نسعد حين كنا نعرف أنها تراقبنا، وليتنا لم نفعل!

يجردنا الخذلان من الإشراقة التي منحها الحب قبل أن يكون هو، ويأخذ معها حتى صورتنا العادية.. التي كانت قبل أن نعرف الحب، يتركنا باهتين، أشبه بمريض لا يعرف داءه حتى، يسلبنا القدرة على التعايش. ولا يمنح شيئًا -إن منح- إلا أطنانًا من الذكريات، وأصداء الضحكات والأغنيات التي تبدلناها معهم، الذي يتردد في نفوسنا من غير توقف، وكأنما هو أداة تعذيب في واحد من سجون الاحتلال، وكأنما هو لعنة.. تطاردنا وستفعل حتى تحترق النجوم.

يخذلوننا، وتخذلنا أنفسنا حين نكتشف أننا برغم هذا كله، لا نستطيع التوقف عن حبهم!

 

لماذا يا الله لا نتوقف عن حب الذين خذلونا؟!

لماذا نحن بهذا الضعف؟! لماذا نحن بهذا التخاذل؟! كيف تهون علينا أنفسنا؟! كيف نستعذب الشقاء؟! ولمَ نُسكت الصوت الثائر بداخلنا كلما ذكرنا أن كفانا عذابًا؟! لماذا لا نراهم كما ينبغي أن نراهم؟! لماذا لا نراهم على حقيقتهم؟! لمَ تنصب لهم أرواحنا بداخلنا محامين يدافعون عنهم.. برغم كل ما لقيناه منهم؟!

لماذا.. ثانية ولألف مرة، لا نتوقف عن حبهم؟

لأنهم جعلونا نرى أنفسنا في الصورة التي تمنينا أن يكون عليها. لأنهم تغزلوا فينا. ولأننا قد وجدنا قوة في أنفسنا. لأننا تخيلنا أننا وهبنا الحياة لأحدهم. لأننا نتخيل دائمًا أنهم سيعودون حتمًا. لأنهم لن يجدوا آخر يحبهم كما فعلنا أو يقدم لهم ما قدمناه. لأننا لا نتذكر حتى كيف كانت الحياة من قبلهم!

كانوا أكثر منا ذكاءً.. تعلقنا بهم، ومن خلالهم ازداد تعلقنا بالحياة. رسمنا معهم الغد فلما جاء لم نجدهم، فاهتزت الصورة، ورفضنا أن نعيشها من غير تفصيلة وجودهم فيها.

 

ولكن.. إلى متى؟!

يبدو السؤال ساذجًا. لأننا وبرغم كل ما نلاقيه، نبدو وكأننا لا نبحث عن خلاص، لا لأننا نستعذب المرار، بل لأننا نرى في حربنا من أجل أن تتصالح قلوبنا مع الذين خذلونا، شيئًا يسمو بنا، شيئًا يطهرنا، أو لأن كبرياءنا يرفض أن يسمي الخذلان خذلانًا.. لأننا في نظر أنفسنا لا نستحق أن نُخذل، ولا يجوز أن نُترك. لأن حبنا لأنفسنا يدفعنا للتعلق أكثر بالذين رأينا فيهم خلاصنا. فكيف لنا أن نفكر في الخلاص منهم؟!

 

ولكن كل شيء يمكن أن يحدث في لحظة. في لحظة ينظر فيها المرء منا إلى صورته في المرآة.. إلى عينيه تحديدًا، فيقرر أن يكرمهما أخيرًا؛ إنهما لا يستحقا أن تسيل منهما أنهار الدموع تلك، إنهما يستحقا أن ينظر أحدهم إليهما بكل حب الدنيا، إن هاتين العنين لا تستحقا أن تُخذلا.

 

هنا.. يمكن أن يحدث الخلاص، وربما قدمت لكم من أجله دليلاً في مقال قادم.

 

كيف نجد الخلاص؟!

 

المقالة السابقةهذا هو الحب
المقالة القادمةمكان بطعم الشغف
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا