كيف يحب المرء ذاته المشوهة؟

837

ما يفعله بنا الخذلان المستمر لا يقتصر على كوننا ضحية، لأن صفاتنا البشرية لن تسمح لنا أن نكون ضحية للأبد، لا أحد يظل ساذجًا، لا أحد يتجرع الأذى، إما أن ينقلب مازوخيًا ويتحول الألم إلى لذة، وإما يتحول ساديًّا، إلا من رحم ربي ومنحه القوة أن يقطع الدائرة فلا يذهب إلى هنا ولا هناك. ويتوقف عند كونه ضحية في الماضي، مانعًا للأذى في الحاضر والمستقبل.

 

لكن يبدو أن أسوأ ما يعرضنا له الأذى هو أن يجعل منَّا حيوانات مفترسة، جلادًا ساديًا يتلذذ بتعذيب ضحيته.

إن الوقت الذي نتعرض فيه للأذى هو نفسه الوقت الذي نخطو فيه أولى خطواتنا ببراءة إلى متنمرين بدرجات متفاوتة، كلٍ حسب مقدرته ومعتقداته.

 

متنمرون على أنفسنا وعلى غيرنا، وهو الدور الذي أعيشه ببراعة الآن، مُعْتَدِيَة على نفسي كل صباح أمام مرآتي بأقبح الألفاظ، وأن أمثالي لا يستحقون الحياة على سطح الأرض، بل وصل الأمر إلى أنني لا أرى أني أستحق المساعدة بأي حال من الأحوال، فأحتل دائمًا مع أصدقائي دور السائق، مع أني تمنيت كثيرًا أن يأتي أحد أصدقائي ويأخذني من بيتي كمُدَللةٍ ثم أعود إليه مرة أخرى غير عابئة بشوارع مزدحمة أو أماكن لصف السيارة، لطالما احْتَللتُ دور السائق.. لأني لا أستحق هذ النوع من الدلال، لهذا عندما قامت بهذا الدور صديقتي “هدير” مرةً ظللت أشكرها طوال الطريق، ما استدعى دهشتها، كل هذا لأني “لا أستحق”.

 

وبنفس الطريقة كلما مررتُ بضائقة مالية، لا أطلب المساعدة لنفس السبب. فعلتها مرةً مع أختي الكبيرة وأصِبْتُ عندها بانهيار وبكاء شديد، ولم يغمض لي جفن حتى قضيتُ الدَّين.

 

من الصعب جدًا أن تتحول إلى شخص متنمر على نفسك، بعد مسيرة طويلة تعرضت فيها للتنمر كثيرًا، لأنك بعد فترة تدرك أنك شخص لا تستحق الحياة من الأساس.

 

من زاوية أخرى الشخص الذي يتعرض للتنمر يتحول مع الوقت بدوره إلى مُتنمر عندما تواتيه الفرصة، وقد ظهر ذلك جليًا في مسلسل BREAKIG BAD الذي يحكي قصة مدرس كيمياء بسيط وطيب يعمل في ورشة غسيل سيارات لزيادة دخله، ولديه ابن مصاب بشلل دماغي سبَّب له إعاقة في الحركة، زاد الأمر سوءًا عندما اكتشف أيضا أنه مصاب بسرطان وأنه بحاجه لكثير من المال للعلاج. عندها تحول إلى تاجر مخدرات ثم إلى رئيس عصابة، متعاونًا مع أحد طلابه “جيسي بينكمان”.

 

تفاصيل المسلسل طويلة وكثيرة لا يمكن سردها ببساطة، ولكن ما أود الإشارة إليه أن “والت ولتر” البطل كان ضعيف الشخصية في البداية مع زوجته “سكايلر” التي كانت تؤذي زوجها بتصرفاتها، كانت تلجأ لأختها وزوج أختها “هانك شرايدر”، الذي كان يعمل في مكافة المخدرات، لحل كل خلاف بينها وبين “والت”. مما جعله يشعر بأنه ليس له أهمية وسط أسرته، ليس هو الآمر والناهي، وأن قرارات أسرته يجب أن تناقش بين أفراد العائلة، بما في ذلك قرار علاجه من السرطان.

 

التحول الذي أصاب “والت” كان نتيجة التنمر الذي تعرض له، وسخرية “هانك” وحتى طلابه منه، تحول الأمر إلى نزعة انتقامية، فبعد أن كان يُخفي أمر عمله في صناعة الكريستال ميث (مخدرات) في نهاية المسلسل جعل زوجته التي كان يخاف منها شريكة له على غير رضاها بعد أن ورطها معه في جرائمه، وأجبرها على التستر عليه.

 

اختلفت نظرته وهيئته من الداخل والخارج، ورغم أنه كان ينوي أن يحصل على مبلغ من المال ثم يتوقف عن صناعة المخدر، لكن أعجبه الأمر والسلطة، حتى بعد أن جنى ملايين لم يكن يحلم بجمعها، وبعد أن منح نفسه غرورًا وهميًا تحت اسم مستعار “هايزنبرغ” يُرعب من يتردد على مسمعه هذا الاسم. الأمر لا يتوقف على الطمع فقط، بل على السلطة نفسها وأن يكون في موقف الأقوى ومهابة الناس منه بعد أن كان الأضعف.

 

لذا فإن دائرة الأذى لن تنقطع إلا بشخص يقوى على قطع الدائرة، شخص يدرك أن أذى الآخرين لن يجعل منه سوى سادي يتجرع خوف وحزن الآخرين كي يحيا.

 

شخص يدرك أنه لا فرق بين المتنمر والضحية، فالناس الذين يحبون أنفسهم لا يؤذون الآخرين، فكلما كرهنا أنفسنا أردنا معاناة الآخرين.

شخص يدرك أنه إن كان محايدًا في حالات الظلم فقد اختار جانب الظالم.

 

لذا إن كنت سأنصح نفسي نصيحة بعد فوات الأوان، وبعد أن تشَّوَهْتُ تمامًا في هذا العالم، ستكون بالتأكيد أن أحِدُّ من كُرهي لنفسي حتى لا أنقلب على العالم والخلق من حولي. تعلمت الآن أن أقف بوجه المتنمر ولكني لم أتعلم كيف أحب نفسي؟

أخبروني كيف يحب المرء ذاته المشوهة؟

 

 

 

المقالة السابقةالرجل أيضًا يحتاج إلى الاحتواء
المقالة القادمةإن بلغتِ عامك الـ16.. افتحي هذه الرسالة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا