كيف لعام واحد أن يحمل كل هذا التغيير؟

874

أكتب هذه السطور قبل نهاية العام بنحو أسبوعين، وبعد إتمامي التاسعة والعشرين بأسبوعين أيضًا. من مزايا أن تولد في ديسمبر هو عمل جرد للأحداث مرة واحدة كل عام.

 

تُذكرني دائمًا الـfacebook memories وأوراقي المبعثرة في كل مكان بمقدار التغيير الذي حدث في هذا العام. إن كان لي إطلاق اسم على هذا العام سأسميه “عام التجارب الأولى” أو “عام التغييرات”. كان عامًا مزدحمًا بالأحداث المؤثرة التي تركت أثرًا داخليًا كبيرًا، أعتقد أنه لن يزول، وأُفضِّل ذلك في الحقيقة، فلا معنى لحياة ثابتة المعالم، كل ما أرجوه فقط هو طيبة الأحداث ولو نسبيًا.

 

لم تعد صديقتي المقربة منذ الطفولة تشاركني منشوراتها الخاصة بأسرتها باعتباري فردًا منها، كما كان يحدث في الأعوام السابقة، وتبدل اسمي بأخرى في منشوراتها التي تهتم بالصداقة ومتابعة شؤون الحياة. لا أعرف السبب، ومع ذلك لا أحمل لها أي ضيق. هل هو النضوج أم التسليم الذي أصبح يملؤني بطابع التغيير الذي انطبع على قلبي في هذا العام؟

 

أصبحت ألتمس الأعذار، بل وأوجدها حتى لا يضيق قلبي، وأيقنت أنه يدور داخل كل نفس وخلف الكواليس دائمًا ما لا يمكن البوح به في كثير من الأحيان. أتذكر صديقتي الظاهر عليها وعلى زوجها يسر الأحوال التي أخبرتني بأنها لم تحادث إحدى صديقاتها المقربات لمدة شهر لأنها فقط لا تمتلك من النقود ما يُمكِّنها من شحن رصيد هاتفها، وأتذكر دموعها عندما أخبرتني “مش هعرف أقولها إنه مش معايا فلوس”، بهذا المنطق أصبحت أفكر كثيرًا وأُحدِّث نفسي “ربما يدور ما يصعب الكلام عنه”.

 

تجربة جديدة سأعيشها في عامي القادم إن قدر الله البقاء على قيد الحياة، ولكن قرارها تم في هذه الأيام، تحديدًا في الأسبوع السابق، بعد كثير من التردد وأخذ الآراء. لأول مرة منذ تخرجي من الجامعة سأترك عملي وآخذ إجازة مفتوحة، بل إنني أفكر جديًا في تغيير مجال عملي بالكامل، أو على الأقل البحث عن عمل إضافي يكون أكثر شغفًا بالنسبة لي.

 

لأول مرة أيضًا أضع العائد المادي شرطًا إن عدت لمجال عملي الحالي، فلا معنى لراتب يضيع كله في الذهاب إلى العمل وتناول وجبة خفيفة كل عدة أيام.

 

أصبحت هذا العام أكثر مرونة من ذي قبل ولم أعد أصطدم، بل أكتفي بابتسامة إن كان الأمر لا يستحق النقاش أو البوح بما في نفسي، إن كان الأمر يستحق هكذا، بهدوء وسلام نفسي ودون معارك لكسب الآخرين في صفي.

 

خالطت الكثير من النساء وراقبت الكثير من حولي، واندمجت في عملي بكثير من الفئات التي تختلف عني كليًّا، وأصبحت أكثر قدرة على تقبلها والتعامل معها، وأيقنت أن في عالم النساء لكل واحدة إنجازاتها الخاصة التي لا تخص سواها، فما بين شراء الخضراوات بأسعار أقل، إلى تربية طفل أو التحضير لرسالة ماجيستير، أو صنع بيتزا (أحلى من بتاعة برة)، إلى القدرة على مصاحبة الأبناء، توجد الكثير من الحكايا والأحداث والعِبَر.

 

خرجت هذا العام بالكثير من الدروس الصادم بعضها حد القسوة، فأيقنت أن الكبر في السن ليس بالضرورة دليلاً لصلاح الإنسان، وأن الحب ليس بسهولة الهدايا والتدوينات المتبادلة في أعياد الميلاد، وأن للصداقات أشكالاً كثيرة، أصعبها على النفس وأكثرها تعرضًا للهدم تلك التي تحتاج بشكل دوري للتبريرات، وأن فرقًا كبيرًا بين التهاون في حق النفس والمرونة في التعامل مع الغير، وأن من الممكن أن ترحل من مكان ولا يمكن أن يرحل ما تركته في النفوس من ود أو جفاء.

 

بعد عدة أعوام، وربما عندما أكون على مشارف الأربعينيات مثلاً، لا أتذكر كل التفاصيل السابقة، لكنني حتمًا سأتذكر أنه العام الذي قللت فيه شرب الشاي إلى درجة لم أصل لها منذ طفولتي، لإصابتي بأنيميا حادة.

 

عام التجارب الأولى

 

المقالة السابقةجدول السعادة
المقالة القادمةمدد رضوى عاشور الذي لا ينتهي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا