كيف تصنعين طفلاً محبطًا؟

639

اكتشفت أننا مسؤولون كل المسؤولية عن صنع طفل يشعر بالإحباط من نفسه وهو في عمر العامين وربما أقل من ذلك، هناك علاقة قوية بين مشاعر الشخص القائم بالرعاية ومشاعر الطفل التي يكتسبها بالتعلُّم من خلاله، فما أن تشعرين بالإحباط من نفسك وبالملل من عدم قدرتك على الاستمرار مضيًا فيما قررتِه وخصوصًا إذا كانت قراراتك خاصة بطفلك، فستنتقل هذه المشاعر إليه.

 

دعوني أوضح ذلك بمثال، عندما أتمت ابنتي الشهر السادس بدأت -كما نصحني الطبيب- بإدخال بعض الأطعمة المضروبة جيدًا في الخلاط، كنت متحمسة جدًا لبدء التجربة، وكانت صغيرتي تحب الرضاعة وسعيدة فيها ولا توجد أي مشكلات منغصة علينا فيما يخص الرضاعة الطبيعية، وبمجرد أن وضعت لها أول طبق وتذوقت أول ملعقة بصقته على الأرض، وظللت أضع الملاعق التي اتفق الطبيب عليها في فمها بمنتهى الحماس، وهي بمنتهى الجدية بصقتها كلها.

 

تكرر الأمر لأسبوع على التوالي، وأنا أصنع وأجرب أطعمة مختلفة، وأضيف بعض الإضافات المسموح بها لهذا العمر لتُحسِّن طعمه، أفعل ذلك بنفس الحماس وأكرر لنفسي أنها ستأكل، فكل الأطفال تنتهي من الرضاعة في وقت ما وتعتاد على الأكل، وبالفعل في نهاية الأسبوع الأول أكلت بشهية جيدة وأنهت طبقها بحماس شديد.

 

بمقارنة ما حدث مع ما تقوله بعض الأمهات على جروبات الفيسبوك في مواقف مشابهة يجعلني أربط بين ما تشعره الأمهات وسلوك أطفالهن، بمجرد عدم رغبة الأبناء في تناول الطعام وإحباط الأمهات تبدأ الشكوى من سلوك “ابني يرفض الطعام تمامًا”، ويحدث سلوك التوقف عن استكمال المهمة التي بدأناها والتي يجب أن نقر أنها صعبة وتحتاج لسلوك التكيف للطفل، فما الذي سيدفع صغيرًا اعتاد على الرضاعة وتقدم له باستمرار على تذوق هذا الطعم المختلف غير المستساغ وبنغمة محبطة من الأم، الأمر يحتاج لتكرار بحماس متقد وثقة بأن ذلك سيحدث ما دام حدث مع كل الأطفال الآخرين، لم نسمع أن طفلاً بلغ السابعة من عمره وما زال يعتمد على الرضاعه فقط.

 

تكرر معي الأمر في شبح البوتي تريننج الذي يطارد الأمهات، لن أقول أبدًا إن الأمر سهل، فهو سيظل في ذاكرتي الخبرة الأصعب من كل شيء مررنا به، لكنه ليس مستحيلاً، الثبات على المبدأ وعدم التوقف وعدم قول “لقد مللت الأمر ويبدو أنه لن يفلح”، تلك العبارة التي ستصيبك وطفلك بالإحباط، ما دمنا اكتشفنا أنها السن المناسبة وأن الطفل مستعد إذًا فسنبدأ ولن نتوقف أبدًا، ما نعانيه من صعوبات هي مشكلة التكيف مع الوضع الجديد الذي لم يعتَده الطفل والذي سيعتاده آجلاً أم عاجلاً. كنت أقول لنفسي لم أسمع أن طفلاً بالسابعة ما زال يرتدي الحفاضات، من المؤكد أنها ستتعلم، فعلت ذلك طوال شهر ونصف بحماس يتخلله نوبات من الإحباط لكنها سرعان ما تنتهي بمناقشة نفسي، ولم أتوقف أبدًا.

 

طفلك يتعلم آليات التكيف مع أموره الجديدة منك، فأشجعك أن تجيدي الأمر أولاً، لأنك إذا كنتِ تعانين من مشكلة في التكيف وسرعة الإحباط فسيتعلم ذلك منك. ما زلت أتذكر مقوله لمحمد صبحي في مسلسل “يوميات ونيس” الذي كان يعرض في التسعينيات “أننا نكتشف أننا نربي أنفسنا ونحن نربي أبناءنا” حقيقي جدًا ذلك، فأنا أتعلم يوميًا سلوكيات جديدة أثناء تربية “سلمى”، وأعيد تربية ذاتي معها.

 

عليكِ أن تدركي الأمر جيدًا، أنتِ المسؤولة عن كون طفلك لا يثابر مع الجديد، فمنذ ميلاده وأنتِ تفقدينه الأمل وتشعرين بالإحباط وترددين العبارات المثيرة للإحباط، فتعلم ذلك منك بالمحاكاة، لذا عليكِ بنفسك أولاً وقاومي تلك النغمة المعتادة في حياتك، وابدأي من جديد.

أننا نكتشف أننا نربي أنفسنا ونحن نربي أبناءنا

 

المقالة السابقة5 خطوات عشان تكوني أم مثالية
المقالة القادمةالناجيات من التَّعب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا