كلٌ هائمٌ على وجهه

1926

 

بقلم/ روهندا مجدي عوض

 

هل تشعر دائمًا بضيق يملأ جوانِحك ويُعَكِّر صفو أيامك؟ هل تتردد عليك نوبات الحُزنِ والغم وضيق الصدر دون سبب واضح؟ هل أصبحت تجد راحتك في اعتزال من حولك؟

إذًا أنت وافقتني، إذًا فدعني أسألك بشكل أكثر واقعية: هل هناك حقًا ما يستحق كل ذلك الحُزن في عينيك وأنت لا تزال في مُقتَبل العمر، أم أنك اعتدت الشكوى، حيث تجد فيها ما يُشبِع رغبات نفسك في كسب استعطاف وود من حولك؟

 

قد يكون لديك ما يستحق كل ذلك الحزن، وقد تكون ُمُخطِئًا، لذا دعني أصطحبُك إلى طُرق من حولك، لعلك تُدرك قيمة ما لديك.

 

ذاك الشيخ ها هو اليوم يسير وحيدًا وقد خطَّ شيبه في رأسه، تروي تجاعيد وجهه قصته وأيامه، تروي كيف أفنى عمره لأجل أولاده ومهَّد لهم الطريق واحدًا تلو الآخر، يشتاق إليهم كل ليلة، ولكن يخشى أن يكون عبئًا ثقيلاً في أواخر عمره، فيُتمتم بالدعاء فقط كلما زاد شوقه إليهم.

 

ذلك الزوج وتلك الزوجة وقد أنهكهما تعب الحياة وعبثها، حياة أخذت منهما أضعاف ما أعطت، ولكنهما يواصلان السير مُكبلين بروتين العمل ومشاقِّه حتى ينعم أبناؤهما في رغد العيش.

 

وذاك الشاب وقد أنهى دراسته ليجد نفسه تائهًا في منتصف الطريق، فهو لا يستطيع العودة من حيث أتى، ولا يجد طريقًا مرسومًا وممهدًا فيتقدم نحوه بخطوات وثابة لطالما رآها وهو يرسم مستقبله، اليوم وقد سُقِط في يديه وملأت الحيرة مُقلتيه، لا زال يتلمَّس آثار حلمه على جانبي الطريق فلا يجدها سوى سراب، ولا زالت التساؤلات تدور في رأسه وتؤرق ليله، هل ضلَّ الطريق ولم يُحسن خياره من البداية، أم أنها فترة ستمضي ويعقُبها استقراره وسلامه النفسي؟ هل  يجب عليه الاستعانة بمن حوله؟ إذًا بمن يستعين وقد مُلئ الطريق بآلاف مثله؟! هل يتخلى عن كل شيء أم ينتصر لنفسه؟ كل شيء مُبهم إلا شيء واحد، هو أمل والديه وثقتهما في نبتتهما التي حان وقت حصاد خيرها .

 

وتلك الفتاة العذراء وقد أفنت أيامها وشبابها في خدمة والديها، رافضة كل عروض الخطبة والزواج لأجلهما. اليوم تقف أمام قبرهما دون جدوى، فهي لا تستطيع المكوث بجواره طيلة الوقت، وليس لديها ما تعود إليه. اليوم تسير بذلك العقل الشارد وتلك الدموع المُترقرقة على وجنتيها تنتظر اللحاق بهما.

 

وذاك الشاب وقد تعلق بفتاته الجميلة وشُغِف بها حُبًا، تعهَّد بأن يبقى أبد الدهر وأن يسيرا دربًا واحدًا لا تفرقهما الأيام ولا يقطع وصالهما مكروه، ها هو اليوم يسير وحيدًا، لا يبقى له من دربهما سوى ذكرياتهما معًا، فعلى هذا جانب يتذكر ابتسامتها، وعلى الجانب الآخر هواء يُداعب غُرتها ليكشف حُسن وجهها. اليوم وكما تذكر عهدهما، تذكر كيف تهاونا في هواهما فهوى.

 

وتلك الفتاة وقد كشف لها القدر عن مساوئ رفاقها، فلم تجد منهم عونًا وسندًا، فبحثت عنه ظنته سيُصلِح ما أفسدته الأيام، فلم يأتِ بخير وسلك نهج رفاقها. ها هي اليوم تسير بمفردها كارهة نظرات الشفقة والعطف. تبحث عن ذاتها مُجددًا بعيدًا عن سخف الجميع.

 

حتى طفلنا الصغير لم يسلم من عثرات الطريق، أرهقته مقارنته بأقرانه طوال الوقت، وجد نفسه في هذه السن الصغيرة مُطالبًا بالتفوق والتميز في كل شيء وقبل أي شيء، يسعى أبواه دائمًا لحصد الألقاب وإثبات جدارة ابنيهما دون اكتراث بحقوق طفولته. اليوم ها هو يسير مغلوبًا على أمره، متخليًا عن لحظات مرحه وعفويته وبراءته التي سُلبت  منه رويدًا رويدًا.

 

يا بني.. كلٌ يصارع في معركته.

كلٌ هائمٌ على وجهه، والسُكرُ يملأ جنبات الطريق.

فإذا سلكته كن شاكرًا راضيًا، وكلما ضاق عليك دربك انظر حولك، واعلم أن اعوجاج دربك وانحراف زواياه إنما هو انعكاس لميل نفسك واتباعها الهوى، فإذا أنت استقمت استقام دربك وبورِكَ عمرك.

كلٌ يصارع في معركته

 

المقالة السابقة3 وصفات من جيمي أوليفر لشتاء دافئ
المقالة القادمةما تيجي نتغير
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا