كدمة زرقا

538

 

بقلم/ شيري حنا شفيق

 

جسدنا يعبر ببراعة شديدة عن كل ألم نفسي نمر به، وكأنه يترجم الألم للغة يفهمها، فعندما تصرخ النفس من الوجع نجد الجسد يظهر وجعها، وكأنه يُخرج صراخها المكتوم للعلن، يتناغم معها ويكون لها صوتًا يعلن عن ألمها من خلاله.

 

في حياتنا نمر بالعديد من المواقف والتجارب والخبرات المؤلمة، فإما نستوعبها ونتحمل تأثيرها على نفوسنا، وإما تؤلمنا بشدة ولا نستوعبها وتترك أثرًا عميقًا في النفس، فتبدأ النفس في التألم وتمرض كما يمرض الجسد.

 

فهناك أمراض جسدية وأمراض نفسية وأمراض نفسجسمية، وهي تشمل النفس والجسد معًا.

وكل جسد له لغته الخاصة في التعبير عن الألم النفسي، مثلاً نجد جسدًا يُعبِّر عن الغضب الشديد بارتفاع في ضغط الدم، وآخر بأزمة قلبية، ونجد جسدًا يعبر عن التوتر والقلق الشديد بالتهاب القولون والمعدة، ونجد جسدًا يعبر عن الحزن الشديد والخذل بكدمات زرقاء يلون بها الجلد.

 

واختبرت فيما اختبرت هذا النوع من التعبير الذي يلون جسدي باللون الأزرق، ورحت ذات يوم أتأمل كدماتي الزرقاء لألاحظ أمرًا لم أدركه من قبل، فكل كدمة تختلف عن الأخرى، فهناك كدمة صغيرة وأخرى متوسطة وأخرى كبيرة، حتى في درجات اللون مختلفة.

 

وفيما تأملت، تأملت أنها تشبه كثيرًا التجارب والأزمات التي نمر بها في حياتنا.

فمثلاً..

هناك كدمة صغيرة الحجم فاتحة الزرقة وتختفي سريعًا، وهي تشبه المواقف الصغيرة التي تؤثر فينا بشكل بسيط ووقتي، ثم تزول بزوال الموقف.

 

وهناك كدمة أخرى متوسطة الحجم زرقاء اللون غير قاتمة، تستمر فترة ثم تختفي تدريجيًا، ولا تستغرق وقتًا طويلاً، لكن أيضًا لا تمر بسرعة كالأولى، فهي تشبه كثيرًا الأزمات التي لا تستوعبها أنفسنا أثناء لحظة حدوثها، تؤلمنا فترة لكن مع الوقت نهدأ ونستوعبها ونتفاعل مع تأثيرها، ونتخلص منه تدريجيًا، ويزول تأثيرها النفسي بعد فترة ليست ببعيدة.

 

وهناك الكدمة التي لطالما أخشى رؤيتها على الدوام.

وهي كدمة كبيرة قاتمة الزرقة، تتخللها شعيرات حمراء، إنها كدمة بطيئة الشفاء والاختفاء، وتُشفى وتختفي على مراحل، تبدأ كبيرة قاتمة اللون ثم تتمدد في الجلد ويهدأ لونها، وتظهر بها شعيراتها الحمراء، ثم يغلب اللون الأحمر على الأزرق، وحتى بعد أن تُشفى تترك أثرًا لونه أصفر على الجلد أغمق من لون الجلد الطبيعي.

 

هذه الكدمة الكبيرة تُذكِّرني كثيرًا بالأزمات والتجارب الكبيرة شديدة الألم الساحقة للنفس، التي لا نستوعبها في حينها، وقد تنزلق بنا في هوة المرض النفسي، أو تدفعنا للتخلص من حياتنا، وذلك لبالغ تأثيرها على النفس.

 

إنها أزمات تحتاج لتدخل متخصص ينقذنا من تأثيرها الضار جدًا، وتحتاج لوقت كبير للتعافي منها، ولجهد أكبر للتحرر من ألمها الغائر في النفس. ومحاولات كثيرة للتخلص من المشاعر المصاحبة لها. وحتى بعد المرور برحلة تعافٍ وشفاء وتحرر من المشاعر المؤلمة، تظل ذكراها عالقة بالذاكرة لا تُمحى بسهولة ولكن لا يكون لها نفس التأثير الأول قبل رحلة التعافي.

 

فسبحان الله الذي خلق هذا الجسد المتناغم في دقة مع النفس! وسبحان من عافانا وشفانا من أمراض نفوسنا وأجسادنا!

كل جسد له لغته الخاصة في التعبير عن الألم النفسي

 

 

المقالة السابقةامرأة واحدة لكل يوم
المقالة القادمةأسئلة وأجوبة عن تجربة 1: الفرح ولا السفر؟
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا