كابوس العنف ضد المرأة.. متى ينتهي؟!

1279

في المغرب: “فتاة لا تتعدى 17 عامًا تتعرض للاغتصاب لمدة 60 يومًا من أكثر من 10 شباب، ويتم وشم جسدها بشكل قاسٍ”.

 

في السودان: “فتاة يجبرها أبوها على الزواج غصبًا، تتعرض للاغتصاب من زوجها أمام أقاربه، يجدد محاولته للاقتراب منها فتقتله، فيحكم عليها القانون بالإعدام شنقًا”.

 

في مصر: “فتاة تتعرض للتحرش، فيتم التشكيك في روايتها وتشويه سمعتها، وتُجبر على ترك العمل، وفي المقابل يُحتفى بالمتحرش، ويصبح من مشاهير المجتمع”.

 

في العراق: “اغتيال ملكة جمال بغداد، ووصيفة ملكة جمال العراق، تارة فارس، داخل سيارتها نهارًا، والسبب هو نشر صور لها على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبرها البعض مُخلَّة بالآداب العامة”.

 

في لبنان: “جمعية نسائية تطلب من فتاة تمثيل أنها تعرضت للاغتصاب لتعرف رد فعل الشارع، و النتيجة السلبية التامة، ورفض أي شخص تقديم يد المساعدة لها بل والإساءة لها”.

 

وما زال مسلسل العنف ضد المرأة مستمرًا

حوادث مرت بها النساء في العالم العربي خلال الأشهر الماضية، تكشف مدى تردي الأوضاع التي تعيش بها، كما تؤكد أن أي حديث عن القضاء على العنف الموجَّه ضد المرأة أو حتى التقليل من حجمه هو مجرد شعارات مُنمَّقة تقال في المؤتمرات والندوات المغلقة، ليتلقى قائله التصفيق والهتاف من الجماهير.

 

أما الواقع الحقيقي فهو شأن آخر. فتلك الحوادث ليست قصصًا فردية عشوائية، بل هي مرآة تظهر فيها أن المرأة ما زالت هي الحلقة الأضعف في المجتمع، التي تتحمل العبء الأكبر في غياب التعليم وانتشار الجهل والفساد، البطالة، ارتفاع نسب الفقر، ضعف مؤشر التنمية الاقتصادية. وتجلَّى ذلك في عنف ممنهج ضدها بأشكال مختلفة، رغم مرور 19 عامًا على إعلان هيئة الأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر للقضاء على العنف ضد المرأة، كمحاولة لرفع الوعي بالعنف الذي يمارس تجاه المرأة في مختلف المجتمعات بشكل عام، ودفع الحكومات إلى اتخاذ كل التدابير للوقاية منه، سواء قانونيًا أو اجتماعيًا، والذي يتزامن الاحتفال به حاليًا.

 

العنف ضد المرأة تاريخيًا

اختير يوم 25 نوفمبر تاريخًا للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، بعد تعرض الناشطات السياسيات الثلاثة “الأخوات ميرابال” في جمهورية الدومنيكان إلى عملية اغتيال وحشية، بأوامر من ديكتاتور الدومنيكان رافائيل تروخيلو عام 1960، بسبب مناهضتهن نظام حكمه ومحاولة الإطاحة بحكومته، مما جعل هيئة الأمم المتحدة تضع تعريفًا موحدًا للعنف ضد المرأة، بأنه “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عنه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.”

..

37% من النساء في العالم العربي تعرضن لعنف جسدي أو جنسي لمرة واحدة في حياتهن على الأقل، و14% من الفتيات في العالم العربي زوِّجن قبل بلوغهن سن 18 عامًا. في إفريقيا والشرق الأوسط تعرضت أكثر من 130 مليون امرأة للختان”.. هيئة الأمم المتحدة للمرأة واليونسيف.

 

الأسوأ من العنف التبرير له

المفارقة أن الحوادث السابقة لم يجمع بينها فقط أنها تتسم بعنف غير مبرر، أو أن مسرح الأحداث هو أراضٍ عربية، أو حتى أن العامل المشترك بينها هو نساء لم يفعلن شيئًا سوى أنهن رفضن الاعتداء على حقوقهن وأجسادهن، بل جمع بينها أيضًا ردود فعل ما زالت تبرر العنف وتلقي اللوم على المرأة، برغم أن كل حادثة مثَّلت نوعًا مختلفًا من العنف، كما حدده إعلان القضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993.

 

“كلنا خديجة”.. “لا لإعدام نورا” في المغرب والسودان

الفتاة المغربية “خديجة” التي اغتُصبت لمدة 60 يومًا متواصلة (يمثل عنفًا جسديًا) تعرضت للتشكيك في روايتها، وادَّعاء أنها السبب في تعرضها للاغتصاب، لأنها رافقت مغتصبيها بإرادتها، فأطلِقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “كلنا خديجة” لدعمها.

 

أما الفتاة السودانية “نورا حسين” التي زوِّجت بالإكراه من قِبل والدها، وقتلت زوجها بعد أن اغتصبها أمام عائلته وبمساعدتهم (تعرضت لعنف جسدي ونفسي وجنسي) فحكِم عليها بالإعدام شنقًا، وأيدت دوائر كثيرة في السودان الحكم ضدها حتى لا تقلدها بقية النساء، في أنها تجرأت واعترضت على الزواج الذي كان ضد رغبتها، ولأنها قاومت عنف زوجها ضدها، وكاد الحكم يُنفَّذ لولا تدخل منظمات دولية مختلفة أطلقت حملة “العدالة لنورا”، فتم تخفيف الحكم إلى خمس سنوات وغرامة مالية.

 

تحرش واغتيال “منة” و”تارة” في مصر والعراق

في مصر واجهت الفتاة “منة جبران” التي تعرضت للتحرش (عنف ومضايقات جنسية) هجومًا عليها باعتبارها السبب في تعرضها للتحرش، سواء بملابسها أو مكان وقوفها في الشارع، وتم التشكيك في رواياتها.

 

وفي العراق رأى البعض أن اغتيال ملكة جمال بغداد “تارة فارس” وهو (عنف جسدي) أمر تستحقه، وتم إلقاء اللوم عليها بسبب جرأتها في اختيار الملابس غير المحتشمة، وآرائها السياسية المختلفة.

 

وفي لبنان قامت فتاة بتمثيل أنها تعرضت لاغتصاب، كان أوضح دليل على أن المجتمع العربي نسبة لا بأس بها منه يبرر العنف الموجَّه ضد المرأة، فقد رفض الكثيرون مساعدتها وبل واستخدموا العنف ضدها (عنف نفسي)، واعتبروا أن سبب تعرضها للاغتصاب هو ملابسها.

 

لنجعل العالم برتقاليًا

في النهاية.. العنف ضد النساء مثل النيران التي تبدأ بشرارة صغيرة، يتم تجاهلها أو إهمالها ولكنها تكبر حتى تلتهم الجميع وتدمر الأخضر واليابس، فالصمت والتبرير له ليس حلاً بل دفن للرؤوس في الرمال، والتصدي لهذا العنف والتوعية بمخاطره ليس أمرًا اختياريًا، بل واجب سواء على الرجال أو النساء، وهو ما بدأت كثير من الحكومات والمنظمات في البلدان العربية تفعله من خلال حملات التوعية والإعلام، ولكن يبقى التطبيق في الشارع هو الأهم، فالمرأة إذا ما تعرضت لعنف، فآثاره السلبية لن تقتصر عليها فقط، بل تمتد إلى عائلتها بالكامل، وبالتالي على المجتمع كله.

 

لذا بالتزامن مع شعار الأمم المتحدة “العالم برتقالي” الذي رفعته في اليوم العالمي للحد من العنف ضد النساء، حيث يتم تشجيع الجميع على ارتداء لمسة برتقالية، كرمز لمستقبل أكثر إشراقًا وخالٍ من العنف ضد النساء والفتيات.. يا نساء العالم العربي لنجعل العالم برتقاليًا.

المقالة السابقةأو اطرحوه تنمرًا
المقالة القادمةمن التنمر ما قتل
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا