فيلمين ومسلسل

527

طفلتان تلبسان جلبابين مزركشين ومنديلين بقوية، وتجلسان تتجاذبان أطراف الحديث، تتحدثان عن موانع الحمل وعن خوفهما من العلاقات الجسدية مع زوجهما، وتنصح إحداهما الأخرى بأن تكف عن عشق ابن الزوج الوسيم.

 

توقفت أصابعي عن تقليب أزرار الريموت كونترول وتسمرت أمام المشهد، تابعت باقي حلقة المسلسل بفم فاغر من الدهشة وعقل لا يكف عن السب واللعن سرًا.

 

مسلسل “القاصرات” بطولة صلاح السعدني، والذي يحكي عن شيخ صعيدي يتزوج فتاتين صغيرتين، هما منة عرفة وملك أحمد زاهر، الفتاتان في المسلسل تتحدثان في الجنس والعشق والحمل، تقفان أمام الشاشة مع صلاح السعدني لتؤديان دوري زوجتيه الصغيرتين، في مشهد تجلس منة عرفة على حجر صلاح السعدني ليداعبها بصفتها زوجته، وفي مشهد آخر تصف ملك أحمد زاهر لضرتها كيف يعاملها صلاح السعدني كزوج ليلًا.

 

أجلس في السينما في انتظار الفيلم أن يبدأ، وأتابع بنصف عين كل الإعلانات التي تعرضها الشاشة عن الأفلام المعروضة، أرى هيفاء وهبي ترقص في غرفة نوم، أمامها على الفراش طفل نصفه الأعلى عارٍ ينتظرها ويرسم على وجهه كل تعبيرات الجوع الممكن رسمها.

 

أنتفض من على الكرسي الوثير وأشير بإصبعي إلى الشاشة ولا أجرؤ على النطق بكلمة واحدة، وعندما أعود إلى البيت أرى الأصدقاء يتحدثون عن فيلم غادة عبد الرازق الجديد الذي تلعب فيه دور مدرسة في مدرسة إعدادية للبنين تقع في غرام أحد تلاميذها، وتحمل منه طفلًا.

 

في ملف الإتجار بالبشر والذي أكتب ضمنه هذا المقال، نتحدث جميعًا عن كل أشكال العنف ضد بني آدم، نتكلم عن مجتمع يتكسب أفراده بعضهم على بعض، ونناقش قضايا مهمة جدًا.

 

حسنًا.. أريد أن أحدثكم قليلًا عن تجربتي مع مسلسل “القاصرات”، بما أنني لم أشاهد فيلمي هيفاء وهبي وغادة عبد الرازق بعد، ولن تتحمل معدتي مشاهدتهما أصلًا، حيث إنني مصابة بالقولون العصبي منذ فترة طويلة، وقد نصحني الأطباء كثيرًا بالابتعاد عن كل ما يثير قرف جهازي الهضمي.

 

في المسلسل، مارس فريق العمل العظيم أقصى درجات الإتجار بالبشر، استخدم فتاتين من المفترض أنهما في سن لا تعبئان فيه سوى بتجربة المكياج سرًا وحب الولد الذي يجلس في أول صف بالفصل المدرسي، والذي يجيب عن كل أسئلة المدرسين الصعبة، بدلًا من ذلك لطخنا وجهيهما بالأصباغ الغالية، ومنحناهما سيناريو يجب حفظه عن أشياء تبدو بعضها لي أنا -ذات الستة وعشرين عامًا- مبهمة تمامًا.

 

حسنًا.. بمنتهى الصدق، أشعر أننا “بندن ف مالطة”، ونتكلم عن الإتجار بالبشر ونخصص من وقتنا وجهدنا الكثير كي نصرخ في وجه مجتمع يجلس أمام شاشات التليفزيون، ليشاهد منة عرفة تتأود أمام صلاح السعدني.

 

يناقش المسلسل قضية زواج القاصرات، والظلم الموجّه للأطفال بتزويجهم، وتناسى فريق العمل أن هناك فتاتين تذهبان للفراش ليلًا لتفكران بكل هذه الأسرار التي تُكتشفت خلال يوم التصوير.

 

من المفترض أن أشاهد المسلسل وأتعاطف مع الطفلتين، ويقوم المسلسل بدوره التوعوي في حماية فتيات الريف من “غشومية” أفراده، هذا بالضبط يشبه أن أعذبك لتكف عن تعذيب الآخرين.

 

حدثني عن مشاعر مراهقي المرحلة الإعدادية، والذين ينظرون إلى هذا الزغب النامي فوق شفاههم العليا بعد مشاهدة فيلم غادة عبد الرازق.. حدثني أكثر عن الهمسات التي سوف تسري في الفصل حين تدخل ميس فلانة لتشرح لهم درس الجغرافيا، ونظراتهم لها حين تستدير لتكتب التاريخ على السبورة.

 

حدثني أيضًا عن مشاعر جارك المراهق الذي سوف يتمنى أن تطلب منه طنط فلانة أي شيء، خصوصًا لو كانت طنط فلانة شابة، وهو ما زال لا يتفهم سر الأحلام الغريبة التي تأتيه ليلًا، والتي سوف يعرف عنها كل شيء بعد مشاهدته لفيلم هيفاء وهبي. 

 

في مجتمع يرى أنه متدين بطبعه، ويحتل مركزًا مرموقًا في الجرائم الجنسية، ويتكلم مثقفوه دائمًا عن خطورة الإتجار بالبشر.

 

حدثني -أرجوك- عن مفهوم الإتجار بالبشر من وجهة نظر نخبة هذا المجتمع، الذي يشارك فنانوه بتشويه الأطفال وحقنهم بالهرمونات عبر شاشات مسطحة يمكنهم مشاهدتها مقابل ثمن تذكرة السينما أو أمام التليفزيون في بيوتهم.

 

هل ترى أن هناك ما يستحق الكلام عنه في موضوع الإتجار بالبشر، بعدما نصحت منة عرفة ضرتها أن تكف عن عشق ابن زوجها؟ وبعد أن تعرت هيفاء وهبي أمام جارها الطفل على الشاشة؟

 

أنا لا أرى أن هناك ما يستحق الكلام عنه، ولذلك سوف أنهي هذا المقال الآن.

المقالة السابقةمن هي خضرة الشريفة وما قصتها وما نسبها
المقالة القادمةهناك على جسر العشاق
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا