فرصة ثانية.. ثم قرار لا رجعة فيه

928

ساعدني الخجل في حبس دمعتين ساخنتين جدًا في عيني؛ هذه هي مرّتي الأولى التي يناقشني فيها والدي في أمرٍ كهذا.

 

رجلٌ أحببته فخذلني، والخذلان -بكلِ حالٍ- يهون، إن أنت رأيت الفرحة تنكسر في أعين المقربين، أشعر برغبة أكبر في البكاء، ولكن الخجل يمنعني، وصوت أبي الذي جاء أخيرًا: “مبيحبكيش.. أنا مش عاوزك تزعلي لكن اللي بقولهولك هو الحقيقة، أنا عارف الراجل لمّا بيحب بيحب إزاي، ولمّا يكون مش عاوز يفرّط بيعمل إيه، ومع ذلك، كلميه قوليله إني مستني أقابله تاني، عشان خاطرك“.

 

ضغط أبي على نفسه وخالف ما يشعر به.. فقط من أجلي.

هل حقًا قال ذلك؟ هل يمنحه فعلاً فرصة ثانية؟!

مرحى!

 

***

لِمَ يثقل على البعض، منح البعض، أو منح أنفسهم حتى، فرصةً ثانية.. رغم أن الحل دائمًا، والحقيقة والخلاص أحيانًا، جميعها، تأتي مع الفرصة الثانية، أو بعدها؟

 

في المرة الأولى نكون مندفعين، نركض بسرعتنا القصوى نحو شيء ما، لا نستطيع في البداية تحديد إذا ما كان يستحق، الشغف يعمينا، وتستهوينا التجربة، فلا نحسب العواقب، وإن فعلنا نخطئ غالبًا.. خطأ مرده إلى قلة الخبرة بسبب حداثة التجربة.

 

وأحيانًا.. في المرة الأولى نمّل، نشعر أنه ربما لا أمل، نشعر أننا قد تورطنا، وأن الرحيل واجبٌ اليوم قبل غدًا.

نتسرّع ونسرق من عقولنا وقلوبنا محاولة قد تغيّر شكل حياتنا، نُفضِّل الاستقواء بالعناد، ونبتعد، نغفل وننسى -أو ربما نتناسى- أن الفرصة الثانية قد تخدمنا نحن أكثر مما تخدم أطراف حكاياتنا الآخرين.

 

الفرصة الثانية ليست معجزة، وليست حملاَ لا طاقة لنفوسنا به، بل هي على العكس، انتصار لأفكارنا، وهدية لهؤلاء الذين نحبهم، حين نمنحهم إياها مع صك غفرانٍ ليكفِّروا ذنوبًا ارتكبوها في حقنا، وهي فرصتنا لنعرف، هل خانهم التصرف فعلاً، أم خانتنا أنفسنا حين منحناهم بطاقات عبور خضراء لدخول حياتنا.

 

الوجع أهون من الندم

***

ما الذي نخسره لو أننا منحنا فرصة ثانية؟

الإجابة: لا شيء.

أفكر أحيانًا في مدى كون الحياة عادلة في وقتٍ تجبرنا فيه على اختيار طريق دون آخر، ماذا لو أننا في منتصف الرحلة المختارة، سقطنا؟ ماذا لو شعرنا أن الطريق أكثر صعوبة مما نحتمل، وأننا نتمنى لو أننا نغمض أعيننا فنعود إلى لحظة الاختيار تلك، فنقرر طريقاً آخر، فحياة أخرى؟ هذه ربما فائدة الفرصة الثانية.

 

يقولون إن الحياة قصيرة، ولكنهم يقولون أيضًا: it’s never too late.

والفرصة الثانية قد تكون تصحيح مسار، قد تكون أملاً في بداية جديدة.. الفرصة الثانية تجربة، وصحيح أنها قد تفشل، ولكن الفشل سيثبت لنا أن طريقنا الأول، وإن كان مجهدًا، فهو الأصح!

 

***

ثبتت صحة وجهة نظر والدي.. وفشل من كنت أعتقده الرجل الذي أحبه في اختبار الفرصة الثانية. لم تكن مفاجأة لي.. المفاجأة أنني تجاوزت القصة برمتها في أسبوعين.

 

لم؟

لأن كل ما كان يمكن أن أندم لو أنه فاتني، لم يكن حقيقيًا، لأن الفرصة الثانية وضعتني وجهًا لوجه أمام كل الأحلام التي رسمتها، وكل الأعذار التي منحته إياها، وهمست في أذني: “مُنى.. كل هذا لم يكن حقيقيًا”.

 

المجد كل المجد للفرصة الثانية.. المجد لكل فرصة تُخبر بأن البعض لم يكن يستحق حتى فرصةَ أولى.من

المقالة السابقةلقد اقتربت الثلاثون
المقالة القادمةلا تقل “وداعًا شاوشانك”.. بل قل أهلاً بالحياة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا