فرصة أخرى للإساءة

1024

أخبرتني أنها ما عادت تحتمل الحياة بهذا الشكل، صوته وكلماته يخترقانها كل يوم يحاوطانها ويشعرانها بفداحة ما يحدث، زوج مسيء.. من قال إن الإساءة تكمن في العنف الجسدي؟! الإساءة تكمن في نبرات الاستهزاء والتجاهل وعدم المساندة في كل الليالي التي قضيتها أبكي.

 

صدقتها وكنت أفهم جيدًا مرارة ما تحكي، لكنها استطردت أن القسوة تكمن في أن يجعلك الحبيب تضع لفظ المسيء قبل اسمه، أن يدفعك إلى البكاء مرات عدة في اليوم، لا يمنحك فرصة الكراهية لأنه يباغتك بلفتة محبة، فلا تشعر بالامتنان لأن القلب ممتلئ بفداحة ما يحدث.

 

منذ يومين قال لي: “سأمنح العلاقة فرصة أخرى”، هكذا أخبرتني بما قاله زوجها، وأكدت لي أنها هي التي بحاجة إلى فرصة ثانية للغفران، وسألتني لماذا لا تتحدثون عن أهمية الفرصة الثانية والثالثة في غفران ما تفعله في نفسك.

 

أخبرتني في نوبة وعي أنها السبب في كل الإساءات التي تتعرض لها، لأنها لم تمنح نفسها يومًا فرصة ثانية لأي شيء، الزواج فرصة والدراسة فرصة والعمل فرصة، يجب أن نقتنص الفرص حتى ننجح، هكذا علموننا. لكن أحدًا لم يخبرنا كيف ندير هذه الفرصة التي اقتنصناها.

“أريد أن أدير فشل زواجي، تلك الفرصة المقتنصة من زمن العنوسة”، هكذا قالت، ظللت أفكر في كيف نمنح أنفسنا فرصة ثانية لغفران ما حدث من انتهاكات الفرصة الواحدة.

 

متى نبلغ تلك اللحظة التي نكتشف فيها أننا اقتنصنا كل الفرص الممكنة، لكننا لم ننجح كما أخبرنا أسلافنا؟

أخبرتني أنها تعينت في فرصة تكاد تكون فريدة بمجرد تخرجها، وأنها اقتنصت فرصة الزواج برجل من مستوى اجتماعي راقٍ، لكنها لم تسأل نفسها السؤال الأهم: هل فعلاً أريد هذه الفرص؟

 

أخبرتني فتاة أخرى في إحدى الجلسات النفسية أنها فعلت ما أراده لها أهلها طوال الوقت، واقتنصت كل النجاحات الممكنة، لكنها اكتشفت في منتصف العمر أنها لم تكن سعيدة أبدًا لأنها لم تختَر ما تقتنصه.

عندما أفكر في فكرة الفرصة الثانية أكتشف أن هناك سؤالاً يطرح نفسه دومًا: فرصة لماذا؟

 

هل هي فرصة لتكرار الإساءة؟ هل هي فرصة لاستكمال ما لا أحب؟ لمن نمنح الفرصة الثانية؟ أمنحها لنفسي أولاً، والفرصة يجب أن تكون مشروطة في الحقيقة؛ لن أمنح زوجًا مسيئًا فرصة لتكرار الإساءة، سأمنحه فرصة إذا قدم شيئًا مختلفًا.

 

في عملي مع المدمنين كنت أرى تلك الإساءات المتكررة في حياة زوجاتهم، كنت أستغرب من بقائهن رغم كل الإساءات، البعض رحل في نوبات التعاطي فعليًا، والبعض بقي في رحلة التعافي.

 

لا تمنحي أحدًا فرصة ثانية إلا إذا منح الشخص نفسه فرصة أخرى ليكون آخر. إذا لم تفعلي ذلك فسيصبح الأمر مجرد تكرار نفس الأخطاء وتوقع نتائج مغايرة، لكن صدقيني لن تجني سوى المزيد من الإحباط.

أخبري نفسك وأخبريه بذلك: “سأعطيك فرصة ثانية إذا ما رأيت دافعيتك للتغيير وخطواتك الفعلية تجاه ذلك، وإذا لم يحدث سأمنح نفسي فرصة جديدة لاختبار الحياة بدونك، لأنني سأخسر في البقاء معك”.

 

أنا لا أشجع على إنهاء العلاقات، لكني أشجع على منح أنفسنا فرصة أخرى للحياة دون إساءة، والتخلي عن خزعبلات المجتمع القاتلة لنا.

إحدى هذه الخزعبلات مقولة “اديله فرصة تانية عشان العيال”، وذلك في سياق شخص لا يتغير ولا يفهم من الفرصة الثانية سوى الاستمرار في الإهانة والصبر على ابتلاعها.

أنتِ أولوية؛ اختاري فرصتك جيدًا، تمعَّني في العمل عليها، فلا توجد فرصة وحيدة، ولا تمنحي أحدًا فرصة إلا إذا استحقها.

المقالة السابقةفرصة تانية لطبخة بايتة
المقالة القادمةلقد اقتربت الثلاثون

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا