عن ذوي متلازمة داون (4): التعليم الدامج

897

أجثو على ركبتَي.. أُصلِّي ليجعل الله أيام ابنتي أفضل من أيامي، أدعو أن تتلقى تجربة تعليم أفضل من تلك التي خُضت، أن تحظى بصداقات صحية، عائلة لم تطمس ملامحها الرأسمالية، وأن لا يُقيِّمها أحدهم على مقاييس لا تلزم إلا أم رأسه.

 

الخوف المحبوس في عينَي كل أم على صغارها قد يفتتها تمامًا إن لم تجد من يدعم، ويسد عنها الشدائد، هذا الخوف تختبره مرتين أم لطفل من ذوي القدرات الخاصة.

لفظة “معوَّق” قد يطلقها العامة على طفل من ذوي القدرات الخاصة، لكن لا يدهشك إن اعترفت أن الأقرب لقلبي لفظة “مُعاق” (اسم مفعول)، ففي اللغة تعني تمنعه عاهة عن التكيف في الحياة العملية والاجتماعية.

على مستوى العالم يمنع 100 مليون شخص من حق التعليم كونهم من ذوي الإعاقة. وفي نظري، ومن خبرتي مع طفلتي ما يمنعهم عن التعليم ليس الإعاقة الجسدية أو الفسيولوجية. ما يُحجِّم أطفالنا عن التعليم هو العاهة الاجتماعية التي أصابت أعيننا نحن، فغدونا إعاقتهم الحقيقية.

نعم، نحن مصدر إعاقة أطفالنا عن ممارسة حقوقهم الإنسانية، عندما حكمنا عليهم بالفشل والمحدودية، دون أن نعطيهم الفرصة للتعبير عن قدراتهم، أو حتى بذلنا الجهد الكافي لاكتشافها.
نحن خُلِقنا بوعي أو دون بالظرف الاجتماعي والثقافي الذي يعزل أطفالنا من ذوي القدرات الخاصة.

الهدف الرئيسي من هذا المقال هو مشاركتي مخاوف تجول بفكري كأم لطفلة من ذوي متلازمة داون، وسرد صورة مرجوة للدمج الحقيقي الذي لم تحظَ به بلادي بعد.

لكي يلتحق طفل من ذوي القدرات الخاصة بمدرسة عادية ككل طفل يجب أن يمر على مؤسسات التأمين الصحي، والمستشفيات الجامعية ليُقيِّمه أخصائي (موظف) أتعبه الجلوس على مكتب، أصابه الضجر بمقياس ستانفورد بينيه* لساعة ونصف كاملة، وحده دون والديه، ويجتاز نسبة ذكاء 60%.

ورغم أني أهاب جلوس طفلتي وحدها مع شخص تراه للمرة الأولى لـ90 دقيقة، ليدمغ ورقة بختم أزرق تفيد بأنها تصلح للتعليم، لكن تصوري للخطوات التالية هو ما يثير الرهاب الفعلي في قلبي، بعد أن يجتاز طفل ببطولة الاختبار، ويتحمس لتجربة المدرسة بكل ما فيها من بهجة، يضطر أن يبرر لأطفال في مثل عمره اختلاف شكله، يضطر أن يختبر نظرات الشفقة أو التأفف من معلميه (حسب خلفيتهم الثقافية والاجتماعية).

 

أنا لا أعرف كيف سأشرح لطفلتي أن آباء زملائها حذروهم كثيرًا من اللعب معها. كل ما تبنيه خلال سنوات ست طوال بالتدخل المبكر وتنشئة طفل على “الضبط الذاتي” مُعرَّض للانهيار، لأننا قررنا التسليم لصور بالية عن أطفالنا من ذوي متلازمة داون، قررنا ألا نتحمل مسؤوليتنا في تربية أبنائنا على قيم الرحابة والقبول، وارتضينا لهم ضيق الأفق.

أود ألا تواجه ابنتي هذا المصير، أريد لها بيئة تعليم صحية، دون وصم أو تصنيف، تشارك فيها كفرد فاعل، يُتاح لها التعبير عن نفسها بحُرية، تستطيع من خلال علاقتها بأقرانها ومعلميها اكتشاف نفسها وإدراك العالم، أريد لطفلتي وكل أولادنا من ذوي القدرات الخاصة حقهم في القبول دون دفع ثمن، أريد احترام طريقهم الطويل الذي يقطعون ليحصلوا على التعليم في المدارس العادية.

على كل حال، أنا أم عادية أريد أن تعيش طفلتي طفولة سعيدة وعادلة، فلن أقطع صلاتي، وسيجعل الله أيامها أفضل من أيامي.

* مقياس بينيه: من أشهرِ اختبارات الذكاء، وذلك لأنه كان أولَ اختبار حقيقي يعدُّ لهذا الغرض، وهو مقياس أعدَّه اثنانِ من علماء النفس، وهو مقياس علمي متدرِّج ليتناسَب مع السنِّ والقدرات العقلية التي تنمو في الطفل كلما تدرَّج في عمره.

 

كيف سأشرح لطفلتي أن آباء زملائها حذروهم منها

 

المقالة السابقةدراما رمضان تقليد واستسهال وعودة للقديم
المقالة القادمةليالي أوچيني.. كيف تفسدنا الذاكرة؟!

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا