عندما تضاعف قلبي ولم ينقسم

1337

بسنت

أصبح لديّ قلبان
نفس الأمر يتكرر مرّة أخرى، ترقب ثم قلق ثم نتيجة إيجابية لاختبار الحمل، قلبي يكاد ينخلع من مكانه من فرط المشاعر
المتداخلة، ثم هدوء وإدراك أن هناك حياة بدأت بالفعل داخل رحمي الآن، ربما دون تخطيط مسبق، لكن الله أراد ذلك، وهذا
يكفيني.
كيف سيبدو الأمر؟
أول ما جال بذهني هو صغيرتي "فريدة"، كيف سيبدو الأمر بالنسبة لها؟ كيف ستتقبل وجود شريك لها في كل شيء وبالأخص
فيّ أنا؟!
هل سأحب أحد مثلما أحببت وانتظرت "فريدة"؟ هل سيكفي قلبي لينقسم بينها وبين المولود القادم؟
في البدء بدت الإجابة غير منصفة بالمرّة، ولكن ما حدث بعد ذلك هو ما جعلني أكتب هذه الكلمات الآن..
أخبرت طفلتي منذ أول يوم علمت بخبر حملي، لم تستعب في البدء سوى أن هناك طفلاً سيشاركها المرح واللعب لاحقًا،
تحمست للفكرة جدًا، طفلتي تعشق الأطفال، والأطفال حديثي الولادة والأصغر منها تحديدًا، يومًا وراء يوم أصابتني متاعب
الحمل المعتادة، تأثرت صغيرتي بمرضي ومرضت هي الأخرى، لكننا تماسكنا معًا من جديد.
اصطحبتها معي لأول موعد لدى الطبيب، كانت "فريدة" أول من استمع لنبضات قلب الجنين الصغير جدًا جدًا داخلي، لن أنسى
لمعة عينيها حينها.. أعلم أن صغيرتي رغم غيرتها الملحوظة عليّ ستكون أحن وأروع أخت يمكن لطفل أن يحصل عليها.
سارت الأمور بين الهدوء والعاصفة بعد ذلك.. ولكن هذه المرة كنت قد ألفت الأمر وصححت بعض المفاهيم.
أمومة للمرة الثانية

يقولون إن الأمومة للمرة الثانية "اختيار بإرادة حرّة وتوقعات حقيقية"، وهذا صحيح، أن تعلم ما أنت مقبل عليه تحديدًا، يقيك
الصدمات لاحقًا.
أحضرت لـ"فريدة" الكتيبات الصغيرة وصرنا نؤلف معًا الحكايات عن الأطفال الرضع حديثي الولادة، عن الإخوة والأخوات،
هكذا يأكلون وينامون ويحتاجون أمهاتهم في البدء، لن يلعب معكِ الطفل فور أن يولد، ولكن بعد مزيد من الوقت ليكتسب أولاً
القوة ويستطيع أن يجاريكِ ويشاركك وقتك.
كل يوم يمر أحرص على إخبار طفلتي بمعلومة جديدة بسيطة بطريقة تستوعبها، وكانت عند حسن ظني إذ تستوعب جيدًا يومًا
بعد الآخر.
وفي نفس الوقت كنت أنسحب تدريجيًا من البطولة المطلقة لمشاهد حياتها، لم أرغب في جعل الأمر يبدو مفاجئًا وكأن هناك من
أخذني منها دون إنذار.
عادت طفلتي للحضانة، وزادت أوقاتها بدوني، مرّة مع والدها ومرة مع الخالات والجدات، دعمت استقلاليتها بالمزيد من
الوقت. صحيح لم تفلح الأمور في كل مرة وما زالت تفاجئني بنوبات غضبها العارمة ولكنها متوقعة ومقبولة.
بالوقت كل شيء سيهدأ ويصبح معتادًا، منذ مدة وأنا أتقبل أن في الأمومة لا شيء تحت السيطرة، وأن الفوضى ونوبات الغضب
مقبولة تمامًا ومشروعة في منزلنا.
كان هدفي الأساسي هو إشراكها في كل تفصيلة تستطيع استيعابها، مع تخصيص الكثير من الوقت القيم المثمر معها، لا يهم هل
هو ساعة أو نصف أو أكثر، المهم هو أن وقتي معها يظل مثمرًا باللعب أو الحكي، والأهم هو مجهود الحفاظ على هذا الوقت
لاحقًا.
الأمومة للمرة الثانية ليست شبحًا مرعبًا، هذا ما أدركته بمرور الأيام، ربما هي حِمل ومجهود مضاعف، لكن ها هي بذرة
أخرى تنبت داخل حديقتي، سرعان ما ستصير زهرة جميلة وسيتسع بستاني مزهرًا عطرًا.
تحسبونني رومانسية أليس كذلك؟ ولكن الحقيقة أنني صرت أتقبل أقدار الله بصدر رحب وحسن ظن وصبر أكثر مما مضى،
ولمن يعود هذا الأمر؟ لفريدتي.. حقًا لفريدتي.
رسالة لجنيني المنتظر
مرة أخرى معجزة صغيرة تنبض داخلي. يومًا ما ستصل بسلام الله لترى "فريدة".. أختك الجميلة الفريدة في كل شيء.. التي
تحضنك يوميًا داخلي وتبدأ في اقتسام طعامها لأجلك، سأحدثك عنها كثيرًا لاحقًا، بل هي ستحدثك بنفسها فور تطور حاسة
السمع لديك.
أما الآن يا صغيري الصغير جدًا.. سأخبرك بفرحتي بك التي لم أتوقع أن تكون بهذا القدر، سأخبرك بقلبي الذي يستقبل خبر
وجودك داخلي برضا وتسليم وحب جميل وكبير.
للمرة الثانية قطعة مني داخلي تغيرني.. أتخلَّى عن قهوتي وعصبيتي لأجلك بطيب خاطر، وأتخلى عن كثرة التفكير، وأُذكِّر
نفسي دائمًا بطرد شبح الكآبة بعيدًا.
ربما لم أخطط لوجودك الآن يا صغيري.. ولكن الله فعل وأراد.. ويكفيني فعل الله فرحة ورحمة.
أنا أحبك.. وسأحبك أكثر.. أعدّني لك أمًا أكثر خبرة وهدوءًا، وأعد لك أختًا رائعة ستكون محظوظًا جدًا بها.
بعد بضعة أيام سأكتب لك حين تصبح بحجم بذرة الرمان، سأكتب قبل أن يتملكني تعب الحمل وسأحكي لك عن أول الأشياء
التي اشتريتها لك بمفردي دون تخطيط كما فعلت مع أختك..عن حدسي بنوعك قبل أن يخبرني طبيب السونار، لأعلم أن يقيني
بأطفالي يبدأ حتى قبل أن يصل بيننا حبل سري.. يبدأ بين قلبينا.
كن بأمان وسلام وقوة.. حتى ألقاك ذكرني دائمًا بالفرحة بك.. اطرد معي شبح الاكتئاب وكثرة الفكر كلما زاراني.

أخبروني أنه منذ الآن سينقسم قلبي بينك وبين "فريدة"، لكن ما حدث بالفعل أنني مع سماع أول دقة لقلبك الصغير، شعرت
بقلبي يتضاعف مرّة أخرى، صار لك واحد كامل يمتلئ بحبك يوميًا وينتظرك بفارغ الصبر

المقالة السابقة“مدام ماجدة” الدبة التي قتلت “عزيز”
المقالة القادمةبنتي والمونديال
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا