عملية فصل

349

بقلم/ سارة الخشاب

من صغرنا كبنات بنتربى على فكرة إن الحرية والمسؤولية الكاملة عن النفس هتيجي لما نكبر ونتجوز، وطبعًا “نكبر” كانت دايمًا مرتبطة بـ”نتجوز”، وطبعًا “نكبر” دي كان معناها عندي العشرين من العمر، وإن تعدت العشرين فلن تتعداها كثيرًا يعني، لكن هذا التوأم الملتصق -اللي هو نكبر ونتجوز- حصلتله عملية فصل على مدى سنوات لما بالفعل كبرنا ولقينا إن الجواز لا يأتي.

وهنا ابتدت المشكلة التربوية تظهر، والفكرة تتعارض مع المشاعر ومع الواقع أيضًا.

الفكرة المجتمعية بتقول: “إن البنت هتبتدي تبقى إنسانة مسؤولة عن نفسها بالكامل ولها حياة الراشدين، اللي هي تتلخص في الإرادة الحرة الكاملة، بالإضافة إلى الخصوصية في كثير من شؤون الحياة، لما تكبر اللي هي بالضرورة مرتبطة بالجواز”.

الواقع بيقول: “كبرنا ومفيش جواز”.

المشاعر والأفكار الداخلية جوة كل بنت: “أنا كبرت وفعلًا فعلًا بدون تمرد ولا عِند وخلاص، معدتش قادرة أستحمل التحكمات الفارغة في حياتي، ومعدتش قادرة أستحمل تدخّل كل حد معدي في حياتي الشخصية”.

ومن هنا ابتديت أنا وكل بنت شبهي في ظروفي نفهم الحقيقة، إن الخصوصية في الحياة والإرادة الحرة مرتبطين بالمرحلة العمرية للإنسان ومدى تطور نفسه وعقله، وليس بظروفه الاجتماعية أبدًا.

وطبعًا ابتدا التخبيط مع المجتمع كله، طبيعتي وفطرتي مش قادرة تستحمل غير إنها تكون مسؤولة عن نفسها ومستقلة، لكن العائلة الكريمة بأفراد معينين فيها غير قابلين للحقيقة دي نهائي، وفاكرين إن البنت لازم تفضل تتربى طول حياتها، وعمرها ما تكبر على التوجيه والإرشاد والتحكم أبدًا، إلا إذا اتجوزت.

النقطة المهمة هنا، هي علاقة البنت في ظروف تأخر الزواج بأمها بالذات، وخصوصًا إن كمية الأرامل الستات كتيرة جدًا في مجتمعنا أكتر من الأرامل الرجال بكتير، فالنتيجة بتكون إن بنات كتير بقوا عايشين لوحدهم مع أمهاتهم الأرامل.

البنت طبعًا اتأخرت في الزواج لكن ما زالت شابة، عايزة تعيش حياتها وتخرج وتتعرف ع الناس وتشتغل كتير وتنجح وتخرج وتحضر فاعليات، لأن ده سنها، سن أواخر العشرينات وأوائل التلاتينات، سن النجاح واتساع العلاقات الإنسانية والإنتاج، وده شيء طبيعي في حياة أي إنسان، لكن الأم مبتقدّرش ده في الغالب بالنسبة لبنتها اللي عايشة معاها، لإن الأفكار دي مكانتش مطروحة في جيلهم -وده بالمناسبة شيء معذور- كل اللي فاهماه الأم إن البنت لسه عايشة في بيت أبوها ومتجوزتش، يعني لازم تبقى لسه ملتزمة بنفس القواعد اللي كانت ملتزمة بيها وهي عندها 15 سنة في مواعيد الرجوع للمنزل مثلًا، وضرورة إن الأم تبقى عارفة مين بيكلم بنتها ع التليفون وبتقوله إيه، وتبقى عايزة بنتها تحكيلها كل صغيرة وكبيرة بتحصل في حياتها، وإن البنت متقفلش على نفسها باب أوضتها ومتتمتعش بلحظات خصوصية، وإنها طبعًا متسافرش لأي بلد تانية أو حتى محافظة تانية لوحدها أو حتى مع زمايلها، ونقطة أخرى مهمة.. كتير جدًا الأم بتتسبب إن حياة بنتها تبقى مشاع، وأي سر بينها وبين بنتها أو حدث خاص بيها ممكن تحكي عنه لأي حد في العيلة، لأنها شايفة إن عادي يعني ما هي لسه طفلة وممكن أي حد يتدخل ويدلي بدلوه في حياتها.

وساعات كمان -من كتر شعورها بوحدتها- بتبقى الأم عايزة بنتها تبقى صاحبتها بكل ما تحمله الكلمة من معاني دون نقصان، بمعنى إنها تعيش معاها حياة المسنين بكل تفاصيلها، ولما الأم بتلاقي رفض طبيعي من بنتها لده بتبدأ تتهمها اتهامات كتير، منها وأكبرها في الحقيقة إنها معادتش طايقة أمها ولا بتحبها زي زمان.

المشكلة في الوقت والظروف دي إن البنت مبتبقاش عايزة تزعّل أمها من ناحية، لأنها طبعًا بتحبها جدًا، ومن ناحية تانية مهياش قادرة تتخلى عن طبيعة مرحلتها العمرية، بغض النظر إن كانت متجوزة ولا لأ، فالوضع كله بيبقى ضاغط جدًا عليها، لإنها كمان -ومنقدرش ننكر- عندها مشكلة صعبة جدًا، وهي احتياجها لشريك حياة في المرحلة دي ولسه مش لاقياه.

فبتبقى وحدة وضغط من الأهل وعقبات منهم على تحقيق نجاحها واتساع علاقاتها.. بيبقى كتير جدًا عليها ومحدش حاسس بيها.

وأخيرًا أمهاتنا.. إحنا بنحبكم كتير.. إنتو أغلى الناس عندنا صدقونا.. لكن سامحونا؛ غصب عننا لازم نعيش حياتنا.

أمهاتنا العزيزات.. إحنا كبرنا وتربيتكو لينا طول السنين دي مش هتروح هدر، إحنا دلوقتي قادرين إننا نعي الحياة من حوالينا ونتحكم فيها؛ متخافوش علينا؛ مش هيتضحك علينا، محدش هيدينا حلاوة ويجرّنا على حتة ضلمة.. رجاءً ثقوا فينا، لأن ثقتكم فينا هي في الحقيقة ثقة في تربيتكم.

المقالة السابقةخاص للشباب: كيف تصالح حبيبتك في خطوة واحدة؟ حيل ذكية لكل رجل
المقالة القادمة13 تطبيق لأندرويد هيخلوا حياتك أسهل
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا