بقلم/ ديفيد الروماني
لقد أعطانا الله فخاريًا قاهريًا عبقريًا صغيرًا من تلك المدينة، يعرف كيف يصنع منحوتات أفلامنا العربية وتترات المسلسلات في هدوء مفتعل ورقة حانية على وجه الفخاري. لا يمكن أن ننسى علامات كثيرة كانت ضوءًا في مصر.
يبدو متواضعًا في هيبته وملابسه الكلاسيك. شاب مصري أصيل ترعرع في حي السيدة زينب وسط عائلة تهتم بالفنون، لجد شاعر وأديب ومترجم، فهناك صالون دائم للفنانين في بيته يصل لجده من مصطفي المنفلوطي وسيد درويش.
عقلية الجد منفتحة لتعليم الكمنجة الشرقية من أستاذ تركي بجانب دراستهم، فشبيبته كونوا فرقة موسيقية اسمهم نسبًا لخلفاء راشدين.
أبو بكر خيرت صاحب الكثير من النغمات الشرقية، إلى جانب أنه مهندس معماري لكثير من المباني المعمارية الشهيرة، فالمدينة الجامعية لجامعة القاهرة من تصميم والد عمر خيرت، وكلية الفنون وعمارات جاردن سيتي وقاعة سيد درويش المعروفة. إلى جانب نشأته في شارع خيرت. وهو شارع بسيط لعائلته البسيطة التي لمعت لمهندس ومحامي وفنان.
فيما بعد صار موسيقيًا جزءًا من الدم المصري الأصيل. ولدته أمه ليخرجنا من ذاك العالم المتوحش المليء بتوحش الحروب والسياسة إلى عالم فيه مجموعة نغمات طربية، أسلحة دمار شامل تبني الأوطان لا تدمرها.
فموسيقاه تلك المنحوتة لبيكاسو أو دافنشي أو فان جوخ شيء من الماضي السحيق، استمر حتى عصورنا الحديثة. موسيقاه تلك الكمنجة العالية مع بعض البيانو والطبل الخفيف وجبة دسمة على أمعاء كل عاشق يجيد الحب. تقبع أحجيته البسيطة في فم أي بسيط يهوى الألغاز سريعة الحل. بضربة على صندوق خشبي بموسيقى قارعة تسحب منك السلبية التي أجاد الزمن وضعها في جعبتك دون أن تشعر، وسرق من عمرك دقائق ثمينة خصصت لعبادة الله.
يلهب المسرح بسعادة، فتتحول من رجل صاخب تشدك بعض حماقات الموسيقى إلى رجل عابد في صومعته بصحراء فارغة تركها أهل المدينة لك. وقت أن تعتزل العالم ستجد عمر خيرت إن كنت تريد الحنين إلى من تركوك وحيدًا في أعماقك وذهبوا لغربة لتلقي المال، ستجد نفسك محاصرًا لأنك حتمًا ستجد نغمة موسيقية من تأليف عمر خيرت.
إن كنت تحب الفن والموسيقى والأوبرا فستجد أن نغمات تترات فيلم "خلي بالك من عقلك" و"عسل أسود" و"ليلة القبض على فاطمة" تلاحقك أينما ذهبت.
ذاك الذي قهر سنين عمره التي مرت بعمق تجليات، فرجل بسيط في متناوله أن لا يعرف أي شيء عن الموسيقى، لكن من المؤكد ذاك رجل أنفق عمره في تقديم البهجة مع الاشتياق.
أفلام العبقري تجلت:
خلي بالك من عقلك: تحفة فنية وسط ضحك في وسط معاناة، نفسية مليئة بتحديات مع حبكة عادل إمام وشريهان، وهنا محراب فني مشتعل.
صابر يا عم صابر: معركة فنية اشتعلت فيها المحن مع تجارب مع صبر رجل بسيط. موسيقى خفيفة تشعل البدن بسعادة وبروح خفيفة منطلقة، لا تفهم صداها إلا إن شاهدت حرب آلة الكمان مع طبلة مع بيانو، إلى أن تشاهد العمل الفني الممتع.
المقال صغير ليستوعب كل أعمال عمر خيرت، لكني -عزيزي القارئ- أعطيك المجداف لتبحر فيه بحريتك. وسنارة لتصيد ما يمكن أن يطعم روحك الجائعة، وعين لتبصر الفيلم بروح عمر خيرت بكل تفاصيله التائهة عنك.