وإحنا صغيرين كانوا دايمًا يخوفونا من الأوضة الضلمة اللي فيها عفاريت، وأنا كنت بخاف. كان إخواتي يطفوا نور البيت كله ويحطوا عليهم ملايات ويدخلوا يصرخوا في الأوضة اللي أنا قاعدة فيها، لحد ما كنت بعيط وأتحايل عليهم ينوروا النور ويشيلوا الملايات من عليهم.
ماما كانت دايمًا تقولي مفيش حاجة تحت الملاية، ولا تحت السرير ولا فوق الدولاب.. مفيش حاجة في الضلمة، إلا إني كنت دايمًا بشوف عيون بتلمع بتبص عليّ من كل مكان.
وكبرت.
مش عارفة إمتى بالظبط اقتنعت إن مفيش عفاريت في الضلمة، بس اللي فاكراه إني لقيتني مش بخاف، بل بشوف في الضلمة كويس جدًا.
لقيتني بمشي جنب المقابر وأنا رايحة بالليل درس الفرنساوي ومش خايفة.
لقيتني بفضّل السكة الزراعية عن طريق العربيات وأنا راجعة من درس الرياضة بعد العشا.
يوم بعد يوم كانت علاقتي بالضلمة بتزيد، لكن مكنتش واخدة بالي إن علاقتي بالنور بتقل.
مكنتش واخدة بالي إني عشان أرجع البيت من طريق المقابر كنت بتخلى عن صحبة البنات اللي كانوا بيخافوا يمروا من هناك، وإني عشان أمشى من السكة الزراعية كنت بمر لوحدي عشان كل البنات كانوا بيفضّلوا طريق العربيات، عشان ميتأخروش.
وكبرت وكبرت الضلمة في قلبي، وكل يوم كانت بتاخد حتة من النور تبلعها جواها.
لحد ما دخلت الجامعة، وفوجئت في وسط مهرجان ألوان لبس البنات إن لبسي كله اسود.. أو معاه أبيض عشان يوضح الاسود أكتر!
خلصت الجامعة وأنا عارفة إن عفاريتي في النور ووسط الناس، لكن طول ما أنا في الضلمة وحدي محدش يقدر يؤذيني.
وفضلت أهرب من النور ومن الصداقات ومن العلاقات ومن الناس.
فضلت أخاف من أي عابر يمر وفي إيده شوية نور.
فضلت أخاف من إني أبقى وسط الناس أو إني أكون مثار لإعجابهم أو مركز لتجمعهم.
وكل ما تتجمع حولي نقطة نور أهرب منها وأقفل عليّ بابي.
قفلت مدونتي لما عرفت إن ليها متابعين.
هجرت صفحتي لما عرفت إن فيه حد مهتم بيها.
وكل ما هلاقي حد حولي في أي مكان أنا عارفة إني ههرب منه، زي ما كنت بهرب زمان من الأوضة الضلمة اللي فيها الملايات.
يا رب أنا مش عايزة عفاريت النور اللي بتحاوطني من كل مكان.
يا رب أنا اكتفيت من العالم كله براجل بحبه وقط صغير ومطبخ كبير وشوية رزع.
