عزيزتي المفضلة

555

إهداء إلى نرمين نزار 

وليلى مندور

وأحمد كامل

 

“عزيزتي المفضلة”.. هذا هو اللقب الذي صارت ابنتي ذات السنوات الثلاثة والنصف تناديني به.

لم يحدث الأمر بشكل سحري بين يوم وليلة، لم تتحول علاقتنا من نمط السخط إلى نمط المحبة باستخدام العصا السحرية. احتاج الأمر إلى الكثير من التعب والمحاولات المتكررة من جانبي وجانبها.

 

منذ أربعة أشهر فقط كانت علاقتي بابنتي شديدة التأزم، كلما أصدرت لها “أمرًا” خالفته بعناد، لا شيء يجدي معها في حالة الخطأ، لا الصوت العالي ولا حتى الضرب الخفيف على ظهر اليد، كان عنادها يوصلني إلى مرحلة من الصراخ الهيستيري والعنف الذي لا يعود علىَّ بأي طائل سوى حرقة الدم.

 

يمكنني تحديد نقطة البداية في يومين تحديدًا، اليوم الأول كنت مع إحدى صديقاتي وابنتي وابنها في منطقة اللعب الخاصة بأحد المطاعم، ابنها تصرّف بطريقة أزعجتها وفعل كل ما يمكن من أفعال الشقاوة القادرة على جعلي أقتله لو كان ابني، فوجئت بها تهدده بأنها “هتزعقله” فلتت مني ابتسامة، في مثل هذه المواقف أزعق لماريا وأضربها أحيانًا، ويكون رد فعلها الضحك الساخر والعناد. لكني فوجئت يومها برد فعل ابن صديقتي الذي خاف بالفعل، وعندما رفعت أمه صوتها انهار باكيًا وكف عما كان يفعله.

 

اليوم الآخر كنت أتحدث مع صديقة أخرى تعجبني علاقتها بابنها، كنت أشكو إليها من مدى السوء الذي أشعر به تجاه نفسي كأم، والسخط الذي صرت أشعر به تجاه وجود ابنتي في حياتي، تكلمنا كثيرًا يومها، لكن الجملة التي ظلت عالقة بقلبي هي “صاحبيها”.

 

كان عليّ أن أتوقف كثيرًا أمام هذين اليومين لأدرك الأخطاء التي ارتكبتها في حق علاقتنا. بعد تفكير توصلت إلى أن ابنتي لا تستجيب لصراخي ولا تخاف من الضرب، عكس ابن صديقتي، ببساطة لأن الأمر يتكرر طوال الوقت، أنا أصرخ طوال الوقت تقريبًا وأضربها أكثر من مرة كل يوم، حتى أن الأمر صار مجرد أفعال هيستيرية تكيفت مع تكرارها وتعلمت كيف تواجهها بالسخرية والعناد المضاعف. من جانب آخر تأملت علاقتنا فلم أجد بها أي أثر للصداقة، كانت علاقة سلطوية بحتة، طوال الوقت أعطي أوامر، اعملي ومتعمليش دون أي توضيح.

 

كان عليّ أن أعمل على أكثر من محور، بداية امتنعت عن الصراخ والزعيق المتكرر، هدأت نبرة صوتي تمامًا وتمرنت على إظهار كل ما أحمله لها من محبة في صوتي، كما امتنعت تمامًا عن استخدام أي عقوبات بدنية، ثم كان عليّ أن أغير مفهوم العلاقة بيننا ببطء وهدوء، بدأت أحول نبرة الأمر إلى نبرة طلب مصحوبة بابتسامة، وأمنحها مبررات منطقية لكل ما أطلبه، استمعت لها أكثر وحاولت أن أتكلم معها أكثر، زاد معدل تعبيري عن مشاعري لها من خلال الكلام أو التواصل الجسدي والأحضان المتكررة (عمال على بطال)، أخذت أحاول بناء صداقة متينة معها، أخبرها دائمًا (إنتي أختي وصاحبتي)، حاولت أن أدخل ذلك في كل التفاصيل الدقيقة، أسألها عن رأيها في ملابسي لأنها صاحبتي، أتبادل استخدام توك الشعر معها وأخبرها (عشان إحنا أصحاب) أحكي لها أسرارًا صغيرة وأقول لها إن هذا ما يفعله الأصحاب.

 

ابنتي تغيرت تمامًا على مدى أشهر قليلة، صارت أنضج وأجمل وأهدأ، العلاقة بيننا صار بها قدر من المسؤولية المتبادلة، امتناعها عن الأفعال المزعجة كي لا تضايق صديقتها وليس لأنها خائفة من أمها المتوحشة. هناك شيء جميل نما بيننا رأيته أخيرًا حين جاءت لي فجأة لتحتضنني وتقول بنبرتها الطفولية “إنتي عزيزتي المفضلة”.

 

الأحضان المفاجئة والقبلات الطيبة صارت متبادلة أخيرًا. لم يحدث الأمر في يوم وليلة، احتاج إلى الكثير من الصبر، والمحاولات والأخطاء المتكررة وشريك متعاون، أبوها كان يذكرني دائمًا بما انتويته كلما أفلتت أعصابي، ويساعدني باتباع نفس الأسلوب.

 

هل يعني هذا أنه لا وجود لأي نوع من العقاب حينما تخطئ؟ بالتأكيد يوجد، لكنه يستخدم في أضيق الحدود، وعند ارتكابها أخطاء كبيرة فقط، كما أن العقاب لم يعد يوجه لها من منطلق سلطتي عليها، وإنما من منطلق صداقتنا، العقاب ببساطة أن “أزعل منها” أخبرها إني زعلانة ومش بكلمها وأضرب البوز التمام وأكف عن الكلام أو الضحك، إلا لو احتاجت شيئًا بالطبع لكني أفعله وأنا عابسة، لا يتجاوز الأمر أكثر من 15 دقيقة وغالبًا يجدي، وصار مؤثرًا أكثر من تلك الأوقات التي كنت ألجأ فيها إلى الصراخ والضرب.

المقالة السابقةنقطة تحول
المقالة القادمة10نصائح للحامل لتخفيف الإرهاق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا