هناك من تنتهي حياتهم غرقًا في البحر.. أما عروس البحر فكادت أن تغرق في البر.
قصة الحب الشهيرة التي سمعتها في طفولتي.. عروس البحر بنت ملك البحور تقع في حب أمير يسكن البر، بعد أن أنقذت حياته من الغرق. ومن أجل هذا الحب تقرر عروس البحر أن تتنازل للساحرة الشريرة عن صوتها مقابل أن تمنحها قدمين. ووضعت الساحرة الشريرة لها مدة زمنية إذا لم توفق في الزواج من الأمير يكون أمامها خياران، إما أن تقتل الأمير وإما تنتهي حياتها لتصبح فقاعات في ماء البحر. وبالفعل فشلت عروس البحر أن تتزوج الأمير، فقد فقدت قدرتها على الكلام والتعبير، وأصبحت أمام خيارين كل منهما أصعب من الآخر.
في القصة الأصلية.. رفضت عروس البحر أن تقتل الأمير وضحَّت بحياتها، وصارت فقاعات في أمواج البحر، أما أفلام الكرتون فعدَّلت القصة لتصبح أقل مأساوية، ففي نهاية القصة تظهر ثلاث حوريات وساحرة طاهرة لتوقف سحر الساحرة الشريرة، وتنقذ عروس البحر، لأنها فضَّلت حياة الأمير على حياتها، وترجع عروس البحر مرة أخرى إلى والدها وأهلها، وتعيش في مملكتها البحرية.
هذه القصة تشبه قصص حب مماثلة في الحياة الواقعية، فرغم صدق الحب قد لا تنجح العلاقة، لأنها تقوم على عدم تكافؤ وتنازلات، فهناك أمور لا يمكن التنازل عنها.. مثل:
تعرفي على: قصة مسلسل سمرا: قصة الحب المستحيله، هل ستنتصر؟
التعبير عن النفس
تنازلت عروس البحر عن صوتها مقابل القدمين، ففقدت حرية التعبير. باعت صوتها، وما أصعب أن يفقد الإنسان حرية التعبير والتواصل! فأي علاقة تسلب حريتي وتمنعني من الانطلاق والتعبير عن نفسي وتسجنني، هي علاقة سوف تنتهي بالفشل. فما أجمل أن ترتبط بشخص يثق بك ويعطيك الحرية وتستطيع معه أن تعبر عما بداخلك بشفافية ودون خجل! فلا تتنازلي أبدًا عن التعبير عن نفسك ورأيك.
القيم والثوابت
الدين والعقل والمجتمع يشكل في داخلنا قيمًا جميلة، تميز حياتنا وتجعلها أجمل وأفضل، وتميزنا عن الحياة الحيوانية. فالتنازل عن القيم يُدخِل الإنسان في حالة من التشتت والاضطرابات والصراعات النفسية. فكيف ترتبطين بشخص يجعلك تتنازلين عن قيمك؟ شخص لا يتفق مع مبادئك هو شخص يصعب العيش معه، سوف يدخلك هذا في صراع وجدال مستمر. يجعلك دائمًا حائرة بين البر والبحر.
الاحترام
لا معنى للحب إذا اختفى الاحترام، فحب بلا احترام هو تملُّك وسيطرة. فكيف تقوى سيدة على الحياة مع شخص لا يحترمها، لا يحترم رأيها أو مشاعرها أو احتياجاتها؟! إذا غاب الاحترام فقد الحب قوته وبهت وزال. فالاحترام المتبادل يقوي الحب ويضمن استمراره، ولا مجال في التنازل عن الاحترام المتبادل في علاقاتنا.
الأمن والأمان
يتعرض الكثير من النساء لإيذاء مستمر من الشريك لسنوات، وقد يبدأ الإيذاء من فترة الخطوبة بالكلام والإهانات اللفظية، وتقبل المرأة وترضى على أمل إنجاح العلاقة فيما بعد، لكن دائمًا ما يتطور الأمر فقد يتحول إلى إيذاء جسدي. ما يوصل إلى المرض النفسي والدخول في اكتئابات شديدة.
لا يمكن التنازل في علاقاتنا عن الأمان، فعلاقة غير آمنة بها إيذاء وإهانة هي علاقة فاشلة.
هل معنى هذا أنه لا مجال للتنازلات عند الارتباط؟
بالطبع لا.. فالحياة مليئة بجوانب متعددة، وبعض التنازلات تكون مطلوبة أحيانًا، لأن الحياة لا تخلو من المشكلات والاختلافات، شرط أن لا يقوم بها طرف دون الآخر أو تصل إلى إلغاء شخصية أحد الطرفين.
يوضح الدكتور محمد جاسم المرزوقي – الاستشاري الأسري والنفسي، أن التنازل فن متفرد لا يتقنه إلا قلة قليلة من المبدعين في الحياة الزوجية، ومن يتقنه لا بد أن يتوفر فيه عدة خصائص كي يقوم به على أكمل وجه، منها:
بُعد النظر في منظومة الحياة الأسرية، الحكمة والصبر والمرونة وعدم الاستعجال. فالتنازل الصحي هو نوع من النضج الشخصي والنفسي، فالشجرة المليئة بالثمار هي التي تنحني لأنها ممتلئة.
ووضع الدكتور المرزوقي مصطلح “التنازل التكتيكي”، وهو مصطلح عسكري ذو أبعاد كثيرة، والتكتيك يعني الإلمام بجوانب المشكلات وأبعادها، والتخطيط لاستخدام كل الأسلحة للحفاظ على استقرار الأسرة، فيعرف الشخص كيف ومتى يعطي بعض التنازلات المطلوبة في وقتها عن رضا واقتناع، تنازل لا يُخِل بالثوابت أو القيم. كتنازل عروس البحر الذي أنهى حياتها في القصة الأصلية، فأصبحت فقاعات في أمواج البحر، أو تنازل أضاع جزءًا كبيرًا من حياتها وأدخلها في تجارب قاسية، كما في نهاية أفلام الكرتون.
تشبه قصة عروس البحر، قصة الحب بين العصفور والسمكة، التي انتهت بالفشل، فلا يستطيع العصفور أن يحيا في بيئة السمكة، ولا تقوى السمكة على الحياة في بيئة العصفور، ولا مجال للتنازلات، فلو تنازل أي منهما ليحيا في بيئة الآخر كانت نهاية حياته حتمية. فاحذري التنازلات المميتة. والعلاقات غير المتكافئة.
