طوبة.. ورقة.. مقص

778

 

بقلم/ مروى عادل

 

حتى اليوم ما زلت أذكر تلك اللُعبة، طوبة.. ورقة.. مقص.. وما زالت الأجيال حتى الآن ترددها. وفي حال إن كنت ضعيف الذاكرة أو صاحب طفولة بائسة تخلو من الألعاب الجماعية، فهي لُعبة تعتمد على التمثيل بالأيدي، الورقة ببسط اليد والطوبة بانغلاقها والمقص بالسبابة والوسطى، ومن يبدأ اللعبة يهتف “طوبة ورقة مقص” ويتوقف عند إحداها، وعلى الآخرين أن يكونوا في وضع ثبات للأيدي على آخر كلمة توقف عندها اللاعب، من طوبة أو ورقة أو مقص.

 

وأنا أرى رغم بساطة تلك اللعبة، أن لها معنىً عميقًا، فلكل أداة من تلك الأدوات خيالٌ في ذهني قد لا يراه أو يعلمه الآخرين، فتلك الطوبة بغلق اليد كنت أهديها لكل من يمتلكون عقلاً رجعيًا حجريًا، فكنت في خيالي أهديها لهم، وأنا أخبرهم بأنها آخر أعمالي الفنية في التعبير عن الانغلاق والانعزالية، في قرون ليست وسطية، ولكنها عقول تشوهية. وأرحل سريعًا قبل أن تعود إليَّ الطوبة طائرة من زاويةٍ أخرى.

 

وكنت بالمقص أزيل كل من لا أرغب بهم، وإن كانوا بجانبي لا يدرون شيئًا، وكنت أقص كل ما يضايقني، فكنت أهذب الأشجار في طريقي، وما أسهل الخيال حين يعطيك سُلمًا للشجرة العالية وماءً للشجرةِ الجافة. وكنت أهذب به خصلات شعري الثاثرة. أذكرُ يومًا قصصت أشعة الشمس الحارقة، وتارةً الامواج الثائرة، ودومًا ذبذبات الأصوات الغاضبة.. وفي بعض الأحيان كنت أقص ملابسي، وبخيالي أعيد تصميمها. وهكذا كنتُ دومًا فاعلة.

 

أما الورقة فكانت هي الحقيقة الواقعة، كانت الورقة صديقتي ورفيقة طفولتي، كنت أحكي لورقتي كل شيء، أهمس لها بقلمٍ صغير وخطٍ كلما زاد يميل، وكانت تفهم كل شيء، تمتص غضبي وتمسح دمعي، وحين أمِلُّ من الكتابة كنت أراها بيضاء، فآتي بألواني وأرسم زهورًا تنبت في السماء، وأطفالاً تطير في الهواء.

من منا لم يتمنَّ أن يصبح طيرًا أو أن يغدو مُهرًا؟!

 

ولقد قررت اليوم أن أكتب لكم، وأهديكم قطعة من ورقتي بعد أن قصصت أطرافها، فصارت تشبة زهرة المساء الساهرة، ولففتها ووضعت بها عطر السعادة الزاهرة.

وبجوارها كان هناك طوبة وورقة ومقص.

 

المقالة السابقة“حل الضفاير”.. صوت البنات في حكايات
المقالة القادمة6 طرق سهلة وسريعة لتزيين حلويات الهالوين
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا