صغيرتي.. أكتب عن الرحلة منكِ إليَّ

1046

كرستين

تم نشرة في 01/22/2019

 

قرأت مقولة منذ أيام تقول “كن الحب الذي لم تحصُل عليه يومًا، كن التفهّم الذي طالما تمنَيّتَه، كُن المُصغيِ الذي احتجتُه قبلاً. أُنظر للنُسَخ الأصغر سنًا بداخلك واهدِ نفسك ما احتَجتُه دائمًا.. هذه هي أولى خطوات الشفاء، فإن أردت أن يراك الناس فلا بد أن ترى نفسك أولاً”.

 

في وسط تريند “تحدي العشر سنوات” الذي غَمَر صفحات الفيسبوك في الأيام الأخيرة، لم أجدني مهتمة كثيرًا بعمل مقارنة بين شكل ملامحي حينها والآن، فأنا أعلم جيدًا أن وزني زاد بعض الشيء، وبدأ القليل من الشعر الأبيض في تتويج رأسي، وأصبحت الصحة عامةً تحتاج مني لاهتمام خاص، بل وأحيانًا تحتاج للطبيب. من شَغَلَتني بحق هي الصغيرة التي كُنتُها منذ عشر سنوات، بأفكارها وتحديّاتها، وما كانت تؤمن به والمخاوف التي كانت كثيرًا ما تشِلَّها وغيرها من سمات كانت عليها حينها، نعم شغَلَتني بشدة تلك الصغيرة فقررت لأول مرة أن أكتب لها.

 

إلى صغيرتي التي عاشت بداخلي من عشر سنوات ولا تزال بالداخل..

لم تأتِ فرصة سابقة لأقول لكِ تلك الكلمات، لكنها اليوم واضحة بداخلي وضوح الشمس، أنا أُحبُك وممتنة لكِ كل يوم، دعيني أحكي لكِ عنكِ وعنّي وكيف كانت الرحلة منكِ إليَّ.

 

أتذكر كيف كان خوفِك من الحياة مسيطرًا، إذ كنتِ وحيدة في ألمك وحتى في مواساتِك لنفسك، لكني اليوم أستطيع أن أقول لكِ إنكِ بالكتابة والمواجدة مع دواخلك استطعتِ أن تَنشلينا معًا من السقوط في دور الضحية أو الغرق في بحر الشَفَقة على الذات. أفخر أن أقرّ أنكِ من خلال الكتابة علَّمتِني الاستمرار برغم الألم وعندها فقط وجدت قوتي وقدرتي على المقاومة وانفتحت عيناي على عالم من الشغف فشكرًا صغيرتي.

 

أعلم جيدًا أن الذنب طالما كان هو المُحرِّك والقائد في قراراتِك، ولكنك لم تستسلمي له، بل حاوَلتِ وقاومتِ حتى نكون ما نحن عليه اليوم. فبالرغم من وجود قطرات من الذنب لا تزال تتساقط علينا، فإني أتعلم كيف أختبئ منها وكيف أخطو للأمام بالرغم من غزارتها أحيانًا.

 

أتذكر كيف كانت قناعاتِك الروحية ومحاولات تواصُلِك مع الخالق مليئة بالصراع. فقد شابَها الكثير من التشويش، إذ لم تكن الخبرات والآراء الشخصية التي صادفتِها صالحة للتعميم كما صُوِّر لكِ. فما أقسى أن يكون الخوف والذنب هما المُحرِكان الأساسيان في العالم الروحي. مع ذلك ظلَّت ثورتك الداخلية الباحثة عن الحق مستمرة، والتي بفضلها تعلمت أن أقبل الشك والحيرة كحتمية للإيمان، فالحق طريق وليس محطة وصول.

 

كنتيجة لتشويش القيم الروحية بداخلك ظنَنَتِ عن جهل أن دعوة الحياة لكِ هي أن تكوني حامية للفضيلة، وكان هذا أحد أكبر أسباب تعاسَتِك. فقد عشتِ سنين رافضة لقطرات الحياة السحرية كالرقص والغناء وغيرهما، بدعوى الفضيلة وتضاعف صراعك بسبب شعورك معهم بالمتعة، لا تبرري حبيبتي، فأنا أتَفَهَّم جيدًا كيف كان الضغط عظيمًا حينها، وكيف كانت الرسائل متضارِبة.

 

اطمئني.. فقد علِمتُ الآنُ أن الفضيلة لا تحتاج لحماة، هي فقط تحتاج لقلوب من دم ولحم، لم تفقد إنسانيتها بعد ونحن معًا نزداد إنسانية يومًا بعد يوم.

 

أعلم كيف كانت صورة الرَجُل مشوهة في قلبك وعقلك، كنتيجة لتكرار الانتهاكات والإساءات من مصادر كثيرة، حتى أنك كنتِ تُكنّينَ له مشاعر العداء، بل ولُقِّبتِ من الأصدقاء بـ”رئيسة جمعية المرأة المتوحشة”. أفتخر بنا اليوم، إذ أرى فينا أنصارًا للإنسانية، نُقدِّر الألم أيًّا كان صاحبُه، ونستمتع بكل إنسان كَنِد وصديق وشريك في رحلة الحياة.

 

لقد كنتِ منشغلة بما ينقُصِك، وكان التذمُر هو لسان حالِك، أنا أتفهم كم كان احتياجك عميقًا والاهتمام قليلاً وخبرات الحياة أقل. عندي لكِ مفاجأة اكتشفتها حديثًا، لقد وجدت طريقًا للسعادة. قال أحدهم “الكل يخوض معركة لا يعلم أحد عنها شيئًا”، وقال آخر “من الممكن أن تكون أنتَ استجابة لصلاة شخص ما”، لذلك أنا أتعلم كل يوم أن أستبدل طاقة البحث عما ينقصني عند الآخرين، بأن أكون أنا استجابة لصلاة أحدهم. حينها فقط أتذوق أسمَى وأسعد لحظات الحياة.

 

قبل أن أكتب لكِ اليوم، قرأت بعض من كلماتِك التي يزيد عمرها عن عشر سنوات. فوجدت حيرة وتوهان مؤلمين، فقد كان سؤالك اليومي للحياة: “ما هو الغرض من وجودي؟ وهل من منطق لكي يعيش إنسان كل هذا الوقت دون أن يجد المعنى؟”. نعم رأيت بين سطورِك دموع اليأس ووَحشَة الصراع الداخلي. ولدهشتي وجدت استمرارًا للكتابات برغم الألم، حتى مع تكرار الشكوى.. كيف ثابرتِ في سَعيِك لفك شفرة وجودك؟!

 

أستطيع أن أعلنها اليوم، وتحديدًا في سنة 2019، أن المعنى قد صار واضحًا، وأن ألم الماضي كان حتميًا للوصول لاستنارة اليوم. نعم لم تأتِ محطة الوصول بعد، نعم لا زلنا في مدرسة الحياة، ننجح أيامًا ونفشل أيامًا أخرى، ولكن تبقى المحاولة هي تاج لرحلتنا الخاصة معًا.

 

أخيرًا.. صغيرتي اهدئي واطمئني، فلستِ وحدكِ بعد اليوم.. أحبك وأمتن لوجودك معي ما حييت.

 

 

 

المقالة السابقةتذكرة سفر
المقالة القادمةمشاعر الذنب التي تأكل الأمهات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا