شرط المحبة الجسارة

1924

نقرر الارتباط، معظم من حولنا سينصحوننا بأن نرتبط بمن يشبهنا، لأن ذلك يضمن نجاح العلاقة واستمراريتها. فكثيرًا ما نرى علاقات سعيدة لأن صاحبيها لديهما نفس الميول، الاهتمامات، والأولويات. فيتفهمان ويساندان بعضهما بعضًا دون أن يحتاج أحدهما لتبرير لماذا فعل هذا أو ذاك.

فماذا يحدث إذا ما ارتبط شخصان متناقضان بعض الشيء؟

نجاح العلاقة وفشله هنا مرهون بالطرفين، فما داما مدركين الوضع من البداية، ولا يوجد طرف من الاثنين يستمر في العلاقة على أمل أن الآخر سيتغير فيما بعد بدافع الحب أو التعوّد أو الزن، ربما ينجح الأمر وإن كان ذلك قد يعني وجود الكثير من الخلافات من وقت إلى آخر، وحدهما الحب والتفاهم، ما سيجعلان العاصفة تمر بأقل خسائر.

F.R.I.E.N.D.S

في هذا المسلسل -الذي شاهدته عدد مرات كافٍ لاعترافي بأنني أدمنته- يأتينا مثالان من أجمل الأمثلة التي رأيتها في حياتي للعلاقات التي من الوهلة الأولى قد تحكم عليها بالفشل الأكيد، ورغم ذلك فهي علاقات شديدة الدفء والبهجة رغم كل العراقيل والأخطاء التي يرتكبها أبطالها، علاقات لا يجوز لها إلا أن تستمر وإن ظن الجميع –حتى أصحابها- عكس ذلك.

رايتشل وروس

ثنائي مجنون جدًا، فـ”رايتشل” فتاة مدللة، أنانية أحيانًا، لا تعرف كيف تعتمد على نفسها، تحب الفن والموضة، تعشق الشوبينج وكان عليها أن تمر بتجارب عديدة ومرات كثيرة من الفشل قبل أن تثبت نفسها وتستطيع أن تعرف ما الذي تريده وكيف تفعل ذلك. أما “روس” فيعشق العلوم والقراءة، يحب الأفلام الأجنبية، القنوات الخاصة بالحيوانات والاكتشافات، شخص مسؤول جدًا قادر على تحمل مسؤولية نفسه، ناجح بعمله ويعرف جيدًا ما يريد. أما على المستوى العاطفي فهو رومانسي، يعرف كيف يحتوي الطرف الآخر ويهتم بإسعاده ولو على حساب نفسه.

من منا إذا قرأ هذه السطور وكفى لن يحكم على أن ارتباطهما سيفشل بمنتهى السرعة؟ في الحقيقة علاقتهما لم تنجح بالفعل، ظل المسلسل مستمرًا 10 مواسم ولم يدم ارتباطهما سوى عدة حلقات في الموسم الثاني قبل أن ينفصلا. على الرغم من ذلك ظل بينهما كل شيء يمكن أن يوجد في علاقة من اهتمام خاص، مكانة أكبر في القلب دون الباقين من الأصدقاء، ذكريات حميمة مشتركة، طفلة لم يختلفا يومًا على تربيتها أو وضعاها بينهما في شجار، كل ذلك جعل باقي أصدقائهما يتعجبون لماذا لا يرتبطا وما الذي ينقصهما!

الكل يعرف أن “روس” يحب “رايتشل” و”رايتشل” تحب “روس” عدا هما الاثنين فقط. فكان على الحياة أن تسلب أحدهما من الآخر حتى يتحركان مرة أخرى، ليكتشفا مشاعرهما ويعترفا بها في الحلقة الأخيرة، دون أن نعرف نحن أو هما ماذا سيفعلان بعد ذلك.

قد يري البعض أن تلك العلاقة نموذج للعلاقات الفاشلة، فها هو شخص أحب صديقة أخته دون أن يجرؤ على إخبارها إلى أن عرفت بالصدفة بعد 10 سنوات، لتبدأ الحكاية ثم تنتهى سريعًا، ثم انتظر 8 سنوات أخرى قبل أن يخبرها من جديد أنه ما زال يحبها. ولكن أخبروني عن رجال آخرين غير “روس” يستطيعون أن يتعاملوا مع المرأة التي تركتهم بالسابق بنفس طريقته، أن يخاف عليها، يحميها، يساندها، يفعل كل ذلك حتى ولو كان على حساب قلبه واتزانه، دون أن يفكر ولو للحظة أنهما قد افترقا، إذًا عليه أن يقصيها من دائرته الخاصة ولا تكن أبدًا أول أولياته. إذا لم يكن ذلك حُبًا فما هو الحب؟!

مونيكا وتشاندلر

الثنائي الأكثر غرابة على الإطلاق، فـ”مونيكا: هى مثال للمرأة الـ”كنترول فريك” تحب التحكم في كل التفاصيل، أن تتولى مسؤولية كل المهام الكبيرة، تجعل كل شيء مرتبًا وفقًا لرؤيتها، وغير مسموح لأي شخص مخالفتها. موسوسة بالنظافة، تعشق الطبخ وتريد بشدة أن تكون أمًا. أما “تشاندلر” فهو رجل ناجح جدًا في عمله الذي يكرهه، لديه مشكلات كثيرة منذ الصغر يتغلب عليها بإطلاق النكات، حتى أصبح ذلك ما يميزه ويجعله يشعر أنه أفضل. لا يتمتع بأي ثقة بالنفس، وفاشل عاطفيًا، ما جعله عديم الخبرة في العلاقات.

بالطبع لا يمكن لأحد أن يفكر في ارتباط هذا الثنائي يومًا، ولا حتى نحن كجمهور كنا نتوقع حدوثه، ربما فقط النساء التي تحب أن تكون مع رجال تتحكمن هن فيهم قد يندفعن وراء مثل تلك العلاقة. المدهش في الأمر أن قصتهما لم تسر في ذلك الاتجاه من سيطرة طرف وتنازل آخر، لكنها كانت على قدر تناقضهما متوازنة ورائعة.

فـ”مونيكا” التي تعشق التحكم في كل شيء، من وقت لآخر كانت تحتاج إلى “تشاندلر”، الذي يفتقر الخبرة في العلاقات، لاحتوائها وطمأنتها، أن يمنحها هو بضعفه القوة والتشجيع والدفع للأمام. وهو من لم يكن يثق أن لديه ما قد يمنحه لآخر، استطاع أن يؤمن بنفسه حين رأى كم هو عظيم في عيني حبيبته، لنراه في سنة واحدة قد أصبح أنضج وقادرًا على أن يكون خير مثال للأب.

في هذا النوع من العلاقات لا تأتي السعادة والانسجام على طبق من ذهب، رُبما يتعب الطرفان قليلاً أو كثيرًا، لكنهما حين ينجحان لن يتساوى أبدًا عمق علاقتهما بآخرين لم يبذلا أي مجهود للحفاظ على نجاح العلاقة. لذا في الحب لا وجود للقواعد التي تجعلك أكثر أمنًا، فرُبما ينجح المتشابهون بالفعل، ولكن ألم ندرس بالفيزيا أيضًا أن الأقطاب المتضادة على تنافرها تتجاذب؟!

اقرأ أيضًا: دليل العلاقات الفاشلة Hes just not that into you

المقالة السابقةسلاحي السرّي داخل عقلي
المقالة القادمةالأطفال مرايتي
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا