شبابيك

1902

 

بقلم/ آية الصادق

 

حياتنا زي الشبابيك، باختلاف ألوانها وأشكالها، وكل شباك بيطل على ذكرى سايبة أثر جوانا، فيه شباك هبِّت منه نسمات الهوا لقلوبنا وفتحت الورود جوانا، وشباك مكسور ومعاه حتة غايبة من روحنا، وشباك تاني جواه كراكيب، كراكيب ومشاعر متلغبطة بحلوها ومرها، وفيه شباك مقفول بمية مفتاح حوالين ذكرى ضلمة طفت حتة جوانا. لو بصينا جوة كل شباك فيهم هنلاقي حاجة جديدة اتعلمناها، إنجاز صغير انبسطنا بيه، كدمة علمت جوة قلبك.

 

وقفت قدام الشبابيك دي لاجل أفتكر اللي جواها، لمحت شباك وردي حلو ومبهج، بهجة الطفولة والأحلام الوردية، زي غزل البنات رقيق وجميل، بتبص منه بنت شعرها ديل حصان وعينيها السودا بتلمع لابن الجيران أبو عيون عسلية، وبتشاركه فرحة أول نجمة خدتها في المدرسة. على قد ما الشباك صغير فيه حنية ولطافة يخففوا قسوة الأيام وهتفضل تهون اللي جاي.

 

جنبه فيه شباك أبيض طالع منه نور خفيف، نور اللي حبيناهم ونوروا قلوبنا، لازم نطل عليه من فترة للتانية عشان نفتكر اللي بنحبهم، يمكن عشان ندعيلهم أو عشان يفضلوا عايشين جوانا.

والشباك الأزرق ده كله دفا، دفا الشتا وذكريات الحنين والغيوم اللي بللت قلبي، ودفا الصيف وشمس الأمل اللي كانت بتطلع كل يوم جديد.

 

الشباك اللي جنبه ده ألوانه كتيرة ومتلغبطة، بتاع حيرة المراهقة بجنانها وتقلباتها، جايز سايبة أثر ميتمحيش بمرور الأيام وجايز تكون لا تُذكر، فيها الحلو والوحش وهي الدنيا عاوزة كده.

والمحبب ليَّ الشباك الأخضر اللي هناك ده، بكل لحظات الأمان والامتنان، بوسة بابا وهو بيودعني الصبح وحضنه ليَّ أول ما يفتح الباب، حنية أمي الغالية وطبطبتها عليَّ، فضفضتي مع صاحبتي ع الطريق أما الدنيا تضيق بينا، بعتبره الملجأ المناسب في لحظات الانكسار.

 

أما بقى الشباك الكبير ده بيطل على شبابي، معرفتش ساعتها هل ألونه أسود عشان فجأة زادت المسؤوليات والأحوال اتغيرت، ولا أسيبه أصفر عشان كان بداية تجربة جديدة لا بد منها.

 

وجنبه شباك متكسر بيشهد على خريف عمري، اللمعان اللي انطفى، الحب اللي ضاع، والحلم اللي مكملش، البُكا اللي حفر تحت عيني، مرارة الفقد وغيرها من الأحزان. رغم إن الشباك دهب يعصف بقلبي إلا إن الندبات دي هي اللي علمتني وكبرتني.

 

والشباك الرمادي اللي هناك ده مبحبش أروحله، العمر جري على غفلة وبدون سابق إنذار بقيت سيدة أربعينية عندها شعر أبيض وخطوط تحت عينيها. طيب أزعل على شبابي اللي راح، ولا أفرح بباقي عمري لعله يكون بشرة خير ويستاهل؟ أزعل على القرارات والحب اللي ضيعتهم زمان، ولا أفرح على اللي عملته باقتناع وعلاماته بتبان على ملامحي؟

فيه شباك هناك لسة متفتحش، أما ربنا يسترد أمانته هيتحدد شكله، يا هيتجمع حواليه العصافير والحُسن كله، يا هيملاه الشوك والأسى. بسأل نفسي دايمًا: يا ترى هيكون عملي صالح وليَّ دعوات بالخير من أحبابي ولا هكون قضيت حياتي في سكة غلط؟

 

العمر بيجري بينا زي القطر، والأيام بتمر وإحنا بنتفرج عليها من الشبابيك، وبدون سابق إنذار بننزل للمحطة الأخيرة وكل واحد بيتسأل فينا عن عمره فيما أفناه. حاولوا مترشوش الملح على حياتكم وتنسوا السكر، الحب والإخلاص ضروريين عشان تحلي شباكك، مش يكون متكسر ويجرحك في نهاية السكة.

 

كل شباك بيطل على ذكرى سايبة أثر جوانا

 

المقالة السابقة22 فيلمًا سَتصِف حالتِك العاطفية لدرجة ستُدهشِك
المقالة القادمةومن حب أطفالنا ما قتل
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا