سنة أولى جواز

787

 

بقلم/ نور ياسر

 

قبل الجواز مكنتش بعمل أي حاجة في البيت نهائيًا، زي ما بيقولوا مبشيلش كوباية من مكانها، كنت طول الوقت في الشغل، كانت جدتي دايمًا تقولي “يا بنتي اتعلمي حاجة في شغل البيت تفيدك، إنتي كده هترجعيلنا من أول يوم”.

كنت أسكت ومردش لأني مقتنعة إن ده مش سبب أبدًا إني أرجع، وإن الجواز مش مجرد شغل بيت، بس أمي كانت بترد دايمًا وتقولها “أنا بنتي قد المسؤولية، ولما تتحط في أي موقف بتكون قده، سيبيها تتدلع شوية، لو مدلعتش هنا هتتدلع فين!”.

 

كنت بفرح جدًا بكلامها، وفكرة إنها دايمًا عايزاني مرتاحة ومبسوطة.

بس كنت ببقى عايزة أقولها متتكلميش بقلب كده يا ماما، عشان شكلنا إحنا الاتنين هيبقى وحش قوي وقتها.

طول عمري بشهادة كل اللي حواليا حد يُعتمد عليه، وبيعرف يشيل المسؤولية، وأنا كمان كنت بحس ده جدًا، بس ده كان في شغلي، مع صحابي، مع أهلي، حاجات بحبها بمعنى أصح. بس مسؤولية بيت وطبيخ وغسيل وتنضيف؟ أهو ده اللي مش ممكن أبدًا.

 

وقد كان.. واتجوزت، بعد أول أسبوع جواز ابتديت أحس إني مخطوفة، وبقى لسان حالي طول الوقت أنا إيه اللي جابني هنا؟! لقيت نفسي مسؤولة عن بيت وزوج وطبيخ.

أفتكر أول مرة نضفت فيها البيت، فضلت أنضف حوالي 6 ساعات، كأني بعبر خط بارليف بالظبط، بس ده لأني كل شوية كنت بقعد متنحة والدموع في عينيا وأنا شايفة الشقة كلها فوق بعض، ومش عارفة هخلص إزاي وإمتى.

 

أول مرة سوبر ماركت وشراء طلبات البيت، ده بقى حاجة تانية، كنت بلف حوالين نفسي، كنت حاسة إني تايهة ومش عارفة أجيب إيه وكميات قد إيه، ويا ترى أنا هحتاج الحاجات دي أصلاً؟ وهعمل بيها إيه.

 

ولا أول عزومة! يومها كنت بجد حاسة بصدمة فظيعة، إزاي فجأة كده كل الأطباق والكوبايات والمعالق والشوك والسكاكين في الحوض، وإزاي الشقة اللي لسة متنضفة اتقلبت فوقها تحتها كده!

اليوم ده كنت حاسة إني عايزة أفتح الباب وأجري، بس عدى الحمد لله، هو آه فضلت حوالي 4 ساعات بنضف وأغسل كل مواعين البيت، بس مش مشكلة، المهم إنه عدى.

 

فضلت فترة بعمل كل ده بمنتهى الضيق، لكن بعمله، لأني متعودتش أتحط في مكان ومكونش قده. بس بعد فترة قعدت مع نفسي وقولتلها بصي، من الواضح إن اللي إحنا فيه ده بقى أسلوب حياة، ومن الواضح إن فيه إجماع على كده، وخصوصًا إني مش بس مبقتش عايشة في بيت ماما، لا دا أنا مبقتش عايشة في البلد كلها، وبقيت لوحدي تمامًا في بلد غريب، فخلينا نشوف حل بقى.

 

وقد كان.. قررت إني أبتدي أحاول أحب اللي بعمله، ولأن الحقيقة كنت بعمل أكل ميتاكلش، وجوزي رأفة بحالي كان بياكل وهو ساكت، وأنا كمان عايزة آكل أكل حلو بصراحة.

بدأت أحاول أعمل أكلة حلوة وأنا مبسوطة بده، والحقيقة إنها طلعت حلوة جدًا، مش حلوة بس، وده اداني إحساس بإني عايزة أكمل وأكتشف حاجات تانية وأعملها.

 

حاولت أغيَّر نظرتي لشغل البيت وتنضيفه، بإن ده بيتي اللي اخترت كل تفاصيله، ولازم دايمًا أشوفها حلوة طول الوقت، ومع مرور الوقت اتنقلت من مرحلة اللي مبتشيلش كوباية من مكانها، لست البيت الشاطرة.

التجارب اللي بندخلها في حياتنا دايمًا بتساعدنا نكتشف نفسنا من جديد ونحدد قدراتنا بالظبط.

المهم إني اتأكدت إني فعلاً قد المسؤولية، والأهم إن أمي كانت على حق، وكانت شايفة فيَّ اللي أنا مش شايفاه.

شكرًا يا أمي على ثقتك، وشكرًا على دلعك اللي واحشني.

 

بيت وطبيخ وغسيل وتنضيف؟ أهو ده اللي مش ممكن أبدًا

 

المقالة السابقةأربع ومضات أولى لا تنسى في 2018
المقالة القادمةالمرات الأولى لا تنتهي
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا