رسالة لكل أم جديدة

5102

بسنت

تسألني صديقتي التي وضعت طفلتها الأولى مؤخرًا عن غريزة الأمومة، أين تجدها؟ وكل ما تملكه هو نظرة حيرة وخوف وبكاء تجاه
رضيعتها التي جاءت حياتها للتوِّ دون تخطيط مسبق، وسط أحلام لا حصر لها في الدراسات العليا والسفر والعمل ومع زوجها.

طوال فترة حملها، أثقلت صديقتي نفسها بالمهام والهموم، لم تشعر بغريزة الأمومة التي يتحدثون عنها، وعندما فتحت قلبها لتفضفض بما
يملؤه، فوجئت بسيل من اللوم والتوبيخ لأنها في نعمة من الله "غيرها مش لاقيها"، وكيف أنها جاحدة لهذه النعمة وأنانية.

أتفهَّم أن صديقتي ليست أنانية، هي فقط بحاجة إلى الاحتواء كصغيرتها، بحاجة إلى مزيد من الحب والدعم النفسي، وإلى فرصة ثانية..
فرصة لتكتشف غريزة الأمومة داخلها أو حتى تختلقها، فرصة ثانية لتعلم أن أمومتها ليست نهاية المطاف والسجن الأبدي للأحلام.

إلى صديقتي وإلى كل أم جديدة..
بعد عامين من الأمومة أجلس لأكتب هذه الكلمات وأخبركن أيتها الأمهات الجديدات أو المُقبِلات على الأمومة أن "كل شيء سيمر.. وكل
صعب لن يستمر للأبد".

أتذكر في نفس ذلك التوقيت منذ عامين كنت أنظر إلى طفلتي حديثة الولادة ولا أعلم من أين أبدأ وكيف سأتعامل معها، لقد أصبحت أمًا،
ثم ماذا؟ ماذا الآن؟ الكثير من البكاء والاكتئاب والإرهاق.. أتذكره وأبتسم، لقد فعلتها، كما ستفعلينها أنتِ، لقد نجوت وتجاهلت العبارة
البغيضة "إنتي لسة شوفتي حاجة!"، لأرى بالفعل كل جميل في أمومتي.. رغم كل صعب ومتعب وشاق.

اقرئي أيضًا: شكرا صديقتي: أجمل رسالة شكر لصديقتي الغالية

أنا هنا اليوم لأخبرك بيقين وقلب أم، أن السهر وعدم النوم لليالٍ بعد الولادة لن يستمر للأبد، تلك المغصات والغازات ومصاعب
الرضاعة والتسنين وتدريب الحمام، سرعان ما ستزول، أخبركِ عن تجربة أم، أن البكاء والصراخ والنوم المتقطع، سينتهي قريبًا جدًا..
وأن خوفك من التربية والمسؤولية سيجعلكِ أعظم أم في العالم في نظر طفلك.

لحظات تغيير الحفاض المربكة ستمر سريعًا، والخروجات التي تخليتِ عنها لأن رضيعك قرر ذلك ستُعوَّض بأفضل منها معه عندما
يكبر قليلاً، السفر وأحلام العمل المؤجلة لأجل رعاية الصغير، كل ذلك سيأتي وقت قريب لتحقيقه وربما يُلهمك طفلك بأحلام أفضل مما
تتخيلين أو مما كنتِ تتمنين.

أمومتي ليست وردية، بل إنني أم أفقد أعصابي كثيرًا، طفلتي مشاكسة وعنيدة وتلتصق بي كما يتعلق صغير الكانجرو بأمه، ولكنني
قررت أن تكون طفلتي الصغيرة صديقتي وشريكة أحلامي.. أعلم أنني تنتظرني سنوات أخرى من التعب الجميل.. الكثير من كلمة ماما
المصحوبة بطلبات لا تنتهي والكثير من المسؤوليات التي ستكبر مع طفلتي.

الأحلام تتحقق من جديد
أتذكر أول يوم اصطحبت طفلتي لاجتماع عمل، عُدت إلى المنزل أبكي من الإرهاق والرضاعة والارتباك لتغيير الحفاض والتكريع
وخلافه، أنا التي كنت أدير مثل هذه الاجتماعات من قبل بثقة وحماس، ثم نظرت إلى رضيعتي، في عينيها مباشرة، وكان ردها أن
ابتسمت لي وكأنها تخبرني بأنها ليس لها ذنب في كل ذلك، هي فقط تحتاج إليَّ. احتضنتها بقوة وعلمت حينها أنني من احتاج لهذا
الحضن، وأن كل شيء يهون لأجل ذلك، أعطيت أمومتي فرصة ثانية، وتأقلمت مع فكرة أن أحلامي مؤجلة وليست مستحيلة، ومضيت
في طريق فرصتي الثانية، لأكتشف أنها فرصة ذهبية لتُعرِّفني على نفسي.

منذ عامين تخليت عن عملي الدائم كمدير تحرير لموقع مميز، بعد 4 سنوات من الجهد المتصل، لأعمل من المنزل ككاتبة حرة، ثم
اتخذت قرار إرضاع صغيرتي طبيعيًا لمدة عام ونصف دون تذمر، حدث ذلك في اجتماعات العمل والنادي وأثناء التسوق وخارج حمام
السباحة، لم أرسلها للحضانة أو أتركها أمام الشاشات الإلكترونية لتنشغل عني، لمدة عامين أعمل أمًا بدوام كامل، وعلى هامش الأمومة
أكتشف نفسي وأعيد ترتيب أحلامي وعملي.

وظيفة الأمومة في حد ذاتها ستظل أعظم إنجاز في حياتي وأهم مركز تقلدته، ثم كانت "فريدة" مُلهمتي لأخذ أول خطوة تجاه تحقيق حلم
جديد، أعادتني لورشة المشغولات اليدوية أولاً، ثم أعطتني لقب كاتبة حكايات أطفال ثانيًا، وكأنني حين أعطيت أمومتي فرصة ثانية
عرفت نفسي وما أريد.

الآن.. نذهب للتنزه بمفردنا، صارت "فريدة" تُحضِر لي عدة الورشة وتخبرني بأنها تريد صنع سوار أو سلسلة، ثم تحضر الدفتر وعلبة
الألوان وتقلدني وأنا أكتب، وتنظر لي ببراءة قائلة "أكتب حدوتة".. الآن أحلامي عادت لتتحقق أفضل مما كانت ومما كنت أخطط.

الصغيرة تكبر..
مرّت تلك الأيام الأولى المُرهقة جدًا بعد أن شكلتني مرة أخرى، وجاءت بعدها أيام ممزوجة بالإرهاق والضحك والاستمتاع بأول كل
شيء تفعله طفلتي.
صحيح تحقيق أحلامي الآن يتطلب جهدًا مضاعفًا، ولكنه يعطيني قيمة مضاعفة أيضًا، الآن أنا ممتنة جدًا لـ"فريدة" وللأمومة.

يومًا ما، ستكبر الصغيرة، ستذهب للنوم في غرفتها بمفردها وتغلق الباب كي لا أزعجها، ستصير خروجاتها مع أصدقائها بدوني،
وستمشط شعرها بيديها ولن يحق لي اصطحابها للاستحمام.
ستختار لي ملابسي ولن أرغمها على ارتداء فستان أو بنطلون من اختياري. سأتناول مشروبي ساخنًا وأجلس للعمل في مكتبي المنظم،
سنحقق معًا حلمنا بالسفر، لن تُغرق الفوضى منزلي ولن تتناثر الألعاب الصغيرة الملونة حولي في كل مكان.

يومًا ستكبر الصغيرة ولن تحتاجني! أما الآن فعليّ أن أستمتع بهذا الاحتياج الجميل حتى أشبع منه وأشبعها به.
يومًا ما ليس ببعيد، ستكبر طفلتي وتصبح فتاة شابة تصطحبني لتناول الآيس كريم والقهوة، وتحدثني عن أحلامها ورغبتها في السفر
بمفردها، لتكتشف ذاتها جيدًا.

يومًا ما سأكون أمًا تفخر بها طفلتها، وسأرى نتيجة "فرصتي الثانية".. سأتذكر تلك الليالي الأولى وسأعلم أنها كانت الأروع رغم كل
شيء، حين كانت "فريدة" صغيرة وبريئة جدًا، تخبرني بحنان "بحبك يا ماما" وتلمس وجهي بكفها الصغيرة ثم تغمض عينيها وتعانقني
وكأنني ملاذها الوحيد من العالم.

المقالة السابقةبخاف أتكلم عنها مع إنها سر الحياة
المقالة القادمةإقبالنا على الفرص الثانية شجاعة أم عدم انتماء؟
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا