رسالة إلى كشاف النور

434

من زمان وأنا بيشغلني السبب اللي ورا تسمية أي شخص باسمه، يعني اسم “فارس” مثلاً هل أول ما اتولد حسوا شكله شبه الفارس؟ ولا ده اسم جده ولازم يتسمى عليه فيطلع زيه؟ ولا ده اسم الدكتور اللي ولِّد مامته؟ ولا… ولا…

 

ولأني شايفة إن السبب ورا التسمية ساعات كتير بيأثر في حياة صاحبه، لأن ده بيكون له علاقة بمفاهيم وقناعات الأهل اللي هيرسموها على ورقة شخصية الطفل ده، فبالتالي كان فارق معايا جدًا أعرف ليه أنا اتسميت كده.

 

لما سألت، طلع إن جدتي هي اللي اقترحت يبقى اسمي على اسم قريبتنا الشاطرة، عشان أطلع زيها، هي في الحقيقة مكانتش بس شاطرة، دي متفوقة ومميزة من يومها دراسيًا وعمليًا، وكمان عندها مواهب تانية جنب الدراسة، كل ده بشكل غير مباشر أو واعي كان بيحملني شيلة صعبة وبيزنقني في برواز مش بتاعي (وحتى لو بتاعي بلاها براويز من أساسه)، خصوصًا إني مطلعتش متفوقة دراسيًا زي ما كان مرجو مني، بالعكس بقى، أنا مكنتش حتى بحب المذاكرة ودرجاتي كانت عادية وساعات أقل من العادية كمان.

 

طول عمري بكره جدول الضرب والجبر والنحو، بس بحب الهندسة الفراغية والأحياء والتعبير ومواطن الجمال، وفي ثانوية عامة اكتشفت عشقي للفلسفة والمنطق، لما كبرت حبة وفهمت روحي أكتر عرفت معنى كلمة كانت دايمًا بتتقالي من وأنا لسه قزعة “إنتي بتتفلسفي”، مكانش ساعتها واصلني إذا كانت صفة للمدح ولا إيه، لكني مع الوقت عرفت إن دي مش صفة ولا كلمة والسلام، دي هدية الحياة ليّ.

 

أكتر سؤال بيتسأل للطفل “نفسك تطلع إيه؟”، سؤال في حد ذاته بيحده وبيزنقه في مهنة أو شغلانة، مع إنه طلع خلاص من يوم ما اتكوِّن في بطن مامته، فهو متكوِّن من مجموعة من القدرات والمواهب وسمات للشخصية تحتاج بس بيئة صحية تساعدة يلاقي الكنوز دي جوّاه وتنورله الطريق عشان يطورها، مش بس كده، لكنه يقدر يكتسب ملكات وقدرات جديدة لو عاز واجتهد. يمكن يبقى أحسن نبدل السؤال المحدود ده بسؤال أكتر حرية، زي “لقيت إيه جديد جواك النهارده؟”.

 

وبما إني نتاج تاريخي وتربيتي، فكان من أغلى الاختيارات وأنا بسمِّي بنتي هو اسم “فريدة”، وكأني بقولها كل يوم كوني نفسك، وأفكر نفسي في كل مرة بحلم لها تكون رسامة مثلاً ولا أزقها تفكر بشكل منطقي بالنسبة لي ولا تتصرف شبهي في العلاقات ولا أبقى عايزاها متقلدنيش في طريقتي وأنا غضبانة ولا ولا… في كل مرة من دول هفكرني إنها متفردة ومن حقها تختار تكون اللي هي عايزاه، حتى لو كان مش هو اللي أنا عايزاه ليها، دوري هو كشاف النور اللي ينور طريقها جوة نفسها، لغاية ما كشافها يشد عوده وتاخده وتنطلق في رحلة بحثها الخاصة.

 

إلى كل كشاف نور.. قصدي كل بابا وماما ومدرس وخالو وعمتو وجدو وتيتة، إلى كل واحد في حياته بيتعامل مع طفل.. إنت معاك طاقة إبداع قاعدة في الضلمة مش عارفة طريق الخروج للدنيا، لو تكون إنت النور اللي يساعدها تخرج تبقى أهديت الطفل ده أغلى هدية في حياته وعملت أهم دور ليك في الدنيا.. إنك نورت حتة ضلمة.

 

 

 

المقالة السابقةبطاطين مؤجلة
المقالة القادمةعيش.. سكر.. وجع

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا