رسالة إلى شمس

1277

حبيبتي “شمس”..

لا أعلم كيف أبدأ رسالتي لكِ. خطر على بالي أن أكتب “كيف حالكِ؟ أتمنى أن تكوني بخير” ولكن شعرت أنها بداية تقليدية جدًا وغير ذات معنى، ونحن نعيش في بيت واحد ويرى بعصنا بعضًا كل يوم. ما رأيكِ أن أكتب لكِ ما يخطر على بالي؟ واعذريني إن جعل ذلك الأفكار غير مترابطة أو غير مرتبة.

 

الأمومة ليست سهلة يا “شمس”، مليئة هي بالأسئلة، ولكن ليس للأسئلة إجابات واضحة أو واحدة دائمًا. الحياة ليست أبيض وأسود فقط، ولكن بينهما ألوان كثيرة. وهذا من صعوبتها وجمالها وسعتها في نفس الوقت. صعوبة ذلك لشخصية مثلي أنني أنزعج من الحيرة والأمور المُعلَّقة، أُفضِّل الوضوح وأحب أن أحسم قراراتي ومواقفي. وجمال ذلك أنني أحب الحرية وأكره أن يجبرني أحد على شيء، وأنتِ كذلك يا “شمس”.

 

أجبرتكِ كثيرًا من قبل، وما زلت أفعل أحيانًا، ولكنني أحاول أن أكون أكثر قبولاً لاختلافك عني، صحيح أنتِ تشبهينني كثيرًا في الطباع، ولكنك لستِ نسخة مني. أحاول أن أترك لكِ حرية أكثر وأسمح لكِ باتخاذ بعض القرارات المناسبة لسنك وتحمل نتيجتها. وأحاول أن أسمح لنفسي برؤية الأمور بطريقة مختلفة، فهناك سيناريوهات أخرى ممكنة غير تلك التي في رأسي. تعلمت ذلك معكِ.

 

ولكن تعلمين يا “شمس”.. هذه الحرية التي أعطيها لكِ، والتي هي حقك بالمناسبة وليست تفضُّلاً مني عليكِ، صعوبة أخرى من صعوبات الأمومة التي تحتاج صبرًا وقوة. قبول الاختلاف يحتاج صبرًا، ورؤية من نحب يتألم تحتاج قلبًا قويًا.

 

علاقتي بكِ يا “شمس” فريدة، لأنني أجرب معكِ الأمومة بكل تفاصيلها لأول مرة، أتعلمها معكِ. كلما بدأت أشعر بالراحة والخبرة تنتقلين إلى مرحلة جديدة بتحديات جديدة. أشعر أنني متوترة ومشغولة بالبحث والمحاولة من أجل تربيتك تربية سوية، مشغولة جدًا لدرجة أنني أنسى أن أخبركِ بأنني أحبكِ، وأنسى أن أشعر بأنني أحبكِ أصلاً. هل تحبينني؟

 

كثيرًا ما أشعر أنني أرى نفسي فيكِ، وهو ما يجعلني أشعر بالإعجاب أحيانًا وبالغضب أحيانًا أخرى. تشبهينني في الطباع يا صغيرتي، لي صورة وأنا في مثل سنك مع جدتك، أول ما رآها أبوكِ قال “كأني شايف شمس”، نفس نظرات الإباء والجدية. ومع ذلك، فإننا مرحون وخفيفو الظل مع من نألفهم. نحب ملاحظة الناس والأشياء قبل أن نتفاعل معها، تحتاجين أن تأخذي وقتك، واستعجالك يأتي بنتيجة عكسية، تحبين معرفة التفاصيل مسبقًا، وأنا كذلك. تكرهين الصياح وتوجيه النقد إليكِ. ورغم أنني أكرههما أيضًا فإني أمارس ذلك معك أحيانًا، وهذا شيء محبط بالنسبة لي.

 

ربما يكون أجمل ما في علاقتنا أننا نتكلم معًا، أعتذر لكِ عندما أخطئ في حقك، وتخبرينني عندما تغضبين مني، وتذكرينني بالتوقف عن الصياح عندما أفعل. نتناقش عما تشاهدينه في الكارتون وعن المواقف التي تمر بكِ في الحضانة. أحيانًا أغضب وأحزن عندما تقولين لي “وحشة” و”مش بحبك”، وأحيانًا أحاول تعليمك كيف تُعبِّرين عن شعورك بالغضب ومعرفة سببه.

 

أهددك أحيانًا لتطيعيني، ثم أراجع نفسي أحيانًا فأصحح تصرفي أو أخبرك بعدها أن ما فعلته لم يكن صحيحًا. نغضب ونضحك، نتخاصم ونتصالح، نخطئ ونعتذر، ننمو ونتغير معًا.. علاقة حية، فيها مشاعر مختلفة، وحركة.

 

تعلمين يا “شمس”، مما يفاجئني ويطمئنني أنكِ تذكرين كلامي، رغم أنه قد لا يبدو عليكِ حين أقوله أنكِ منتبهة ومستوعبة لما أقول. أحاول أن أتحرر من خوفي عليكِ، وأن أثق بقدراتك.

 

سامحيني إن كنتِ قد قيدتكِ بعض الوقت، ولكن هي رحلة، نخطئ ونكتشف ونتغير، ثم نكتشف أشياء جديدة، فنتعلم ونتغير مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى نهاية العمر. تحررت كثيرًا من مشاعر الذنب التي تشلنا عن الحركة والتغيير. وكنتِ دافعًا كبيرًا لتحرري منها يا “شمس”، فأنا لا أريد أن تتعذبي بها مثلي. وقد تعلمت أنني إذا أردت أن تكتسبي صفة أو تتخلي عن غيرها فعليَّ أن أريكِ ذلك في نفسي أولاً.

 

كلامي سيكون بلا قيمة إذا كان مغايرًا لجوهري، وأي تعليم في التربية لن يجدي نفعًا إذا لم أتغير أنا. من أجمل وأصعب ما في الأمومة يا “شمس” أنها فتحت لي نوافذ جديدة في نفسي.

 

هل يتسع صدركِ لأخبركِ ببعض تصرفاتك التي أشعر بالغيظ منها؟ هو حديث من القلب، فلأخبرك.

لا أفهمكِ عندما تتمادين في البكاء والزن لأشياء صغيرة أو أحيانًا بدون سبب واضح. لا أقصد إهمالك أو عدم احترام مشاعرك عندما أبتعد عنك وقتها، ولكني أشعر بالغيظ والحيرة وعدم الصبر لأظل بجوارك نصف ساعة أحاول تهدئتك أو فهم سبب زنك، وأعتقد أن هذا ليس في مصلحتك على أي حال. لذلك أترككِ وأعرض عليكِ الكلام أو المساعدة أحيانًا عندما تهدئين. ولكن سامحيني أن كلامي يكون جارحًا أحيانًا. لن أبرره، ولكني أريد أن أخبرك أنني أتعب وأتوتر من هذا الزن المتواصل خصوصًا عندما أكون متعبة.

 

واحدة أخرى من صعوبات الأمومة يا “شمس” أنها تتطلب الحزم واللطف معًا. فالحزم الزائد قسوة وفظاظة، واللطف الزائد ميوعة. أجد هذا التوازن صعبًا، أتأرجح بين الميوعة والفظاظة، وبينهما أصيب الحزم أحيانًا. لا أريدك أن تكوني مُدللة أو سيئة الأدب فأحزم، ثم أجد أحيانًا أنني بالغت، فكلامي صحيح لكنه حاد، وتصرفي سليم ولكن يحتاج أن يمتزج بشيء من اللطف. أبوكِ يميل إلى اللطف وأنا أميل إلى الحزم، وربما لهذا تميلين إليه، وربما أيضًا لطبيعة مرحلتك العمرية.

 

هل أخبرتكِ من قبل يا “شمس” أنني معجبة بكِ؟ حسنًا، لأخبرك الآن. أنا معجبة بحنانك وجمالك وضحكتك وخفة ظلك، وشعورك بالمسؤولية عن أخيكِ الصغير وعطفك عليه، باستقلاليتك وقوة شخصيتك، وعدم قبولك أو خضوعك للإجبار، وأرجو أن تظلي كذلك.

 

أعجبت بردِّك على هذا الموظف الذي أراد تقبيلك في المستشفى يوم ولادة “أنس”، وقلتِ له إنه شخص غريب، ولم يلقنكِ أحد هذا الرد من قبل. أشعر بالسعادة عندما أرى حبك للقراءة، أو أجدك منهمكة في الرسم والتلوين واللعب الخيالي.

 

حبيبتي “شمس”.. أدعو الله أن تشبي تقية، سوية، سعيدة ومتصالحة مع نفسك، محبة لها ومقدرة إياها.. أدعو الله أن تظل علاقتنا حية، وأن تكون تلك العلاقة سندًا لكلتينا، وأن نكون ونسًا بعضنا لبعض في رحلة حياتنا.

شمس.. أحبك

ماما

المقالة السابقةقائمة الأمنيات المستحيلة
المقالة القادمةكيف تعود بعد الحب الأول إلى نفسك

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا