رسالة إلى حبيبي ابن الكلب

1198

بقلم/ ساندرا سليمان

أيام المذاكرة زمان كنت أفترش مائدة السفرة، ويمر أبي وأهل البيت من أمامي من حين إلى آخر، وأحيانًا كان يتوقف أبي وينظر إليَّ بابتسامة ويقول لي على غفلة ودون سابق إنذار: “مين ده ابن الكلب اللي هياخدك مني؟!”، يقول تلك العبارة الاعتراضية إشارة لزواجي في المستقبل، ويمضي وكأنها جملة في سياق واضح.

 

يتكرر هذا الموقف أكثر من مرة، فأصبحت دعابة أكررها لنفسي من حين إلى آخر، وأنا أفكر فيمن سيكون هذا “ابن الكلب”، وإذ كان سيأتي يومًا. وكنت أشعر بالأمان، فكانت كلمات في ظاهرها تُقال على سبيل الدعابة، لكن في طياتها إحساس عميق بالأمان، لأن هناك رجلاً يشعر أني في كنفه وتبعه ويصعب التفريط في.

 

أحمل احتياجي واشتياقي لشريك في الحياة، كما أحمل في العمل فوطتي الصحية في سرية تامة من المكتب للحمام، كي لا يرى زميل لي تلك الحافظة الزهرية ويكشف سري المشين. فبالرغم من أنه شعور طبيعي جدًا واحتياج المرحلة المناسب، لكننا نتعامل معه بسمو (أنا على الأقل) كسيدات متنورات متعلمات مستقلات، وكأنه احتياج للمخلوقات الأقل تطورًا. وفي دوائري المسيحية الإنجيلية يتردد على مسمعي فكرة التقرب من الله والذوبان في العشق الإلهي للدرجة التي تجعلك في حالة شبع، قد تغنيك عن تلك العلاقة اللصيقة بشريك في الحياة. فيصبح اشتياقي ليس فقط موضع خجل وضعف على المستوى النفسي فقط، بل ربما يكون بسبب ضعف حياتي الروحية.

 

عندما نواجه الصعاب الداخلية لا يرى من حولنا ما نمر به، ونحتفظ بخصوصيتنا حتى نقرر الفصح عما يشغلنا. لكن عندما نعاني من الوحدة والاشتياق لبناء عائلة ومرارة الأحلام المؤجلة لا نحظى بأي خصوصية، فالجميع يعلم حالتك الاجتماعية، من أول السائس الذي يتلعثم حتى يتحقق من أصابعي لينادي عليّ “كمان ورا يا آنسة”، حتى دكتورة النسا التي تريد أن تعلم إن كنت مدام أم آنسة كي تستطيع أن تشخصني.

 

يبدو أحيانًا أن الكل معني بوجود زوج لي من عدمه. لدرجة أن استمارة إنشاء حساب على تطبيق ماكدونلدز كان إلزاميًا فيها أن أختار لقب بين (السيد- السيدة- آنسة). يبدو أن حتى طلب البيح تاتستي يحتاج مني أن أحدد حالتي الاجتماعية! لن أتطرق إلى كون السيد يبقى سيدًا بغض النظر عن حالته الاجتماعية. أصبح السيدة عندما أتزوج السيد. تخيل لو أن الاختيارات هي بين (السيد- السيدة- آنسة- الشاب) يا عيب الشوم!

 

ربما تكون خططنا في إيجاد ردود مفحمة/ جارحة/ تهكمية على تمنيات مثل “عقبالك” و”مش هنفرح بيكي؟” و”هما اتعموا ولا إيه؟!” هي مجرد محاولات للاحتفاظ بخصوصية أمر أصبح مشاعًا لكل من يريد أن يذكره. لكنني أريد أن أتخلّى عن كل هذه الدفاعيات المبررة، وأكتب رسالة إلى هذا الشخص الذي ربما يظهر في يوم ما. فبداخلي احتياج للحب حقيقي لا يمكن أن أُجمِّله أو أقننه أو أعقلنه. أريد أن أخبرك:

إني أفتقدك يا ابن الكلب.

من المؤكد أنك لا تركب حصانًا أبيض، ربما تركب سلحفاة مسنة عمياء قادمة عن طريق رأس الرجاء الصالح.

هناك حفلة في الأوبرا لعمر خيرت وغناء محمد شرنوبي، وكنت أتمنى أن نحضرها معًا. أتخيل أنك شخص مريح يمكنني الاستمتاع والشعور بالأريحية معه. ربما ألبس فستاني الأسود الستان ذا الورود الحمراء، الذي اشتريته منذ عام تقريبًا ولم يأت يوم مناسب لارتدائه. أحب هذا الفستان لأني أشعر فيه بأنوثة رهيبة، وأتساءل: هل سيحوذ على إعجابك أيضًا، أم أنه ليس فستانًا عظيمًا كما أظن؟

 

أعلم أن العلاقات ليست مجموعة من حفلات الأوبرا والفساتين الناعمة. أعلم أن الزواج مسؤولية والتزامات وعلاقة حية تحتاج الكثير من الرعاية، وأن معظم الناس يصارعون لكي ينجوا بزواج يطفو على وجه الماء. أعلم كل ذلك، لكن ربما لا أدركه. كل تلك العوائق لا تستطيع أن تفيقني من حنيني للقائك. أشعر كثيرًا أني أحتاج إلى قبلة منك وقرب.

 

أفكر كثيرًا في الاستقلال عن أهلي والسكن بمفردي. أريد أن أسكن في مكان يشبهني بتفاصيله وألوانه ونظامه. لا أقوى على تلك الخطوة الآن، فإذا تخطيت كل العوائق العملية والاجتماعية، فكيف سأتخطى شخصيتي العاطفية التي تصحو كل صبح تحضن من يقابلها من أهل البيت، فتشحذ طاقتها لباقي اليوم؟ هل أستطيع فعلاً أن أصبح بهذه المتانة النفسية؟ هل السبيل الوحيد ليصبح لي بيت خاص بي هو أن تأتي أنت وتشاركني منزلاً؟

 

أخاف كثيرًا أن أحمِّلك عبئًا ليس بإمكانك تحمله. أخاف أن يصبح لديَّ عشم في غير محله وبالتالي خذلان. أريد أن أصبح حرة لأحبك دون أن أتعلق بك كطوق نجاة. سوف نكون سندًا ورفقة، لكن ما حدود ما يمكنني توقعه منك؟

 

في مكان عملي يوجد كتاب شريد أجده في أغرب الأماكن، مستندًا على الحائط وليس ملقى بشكل عشوائي على المكتب، وعنوانه “لماذا نخشى أن نحب؟”، وفي بعض الأحيان أعتقد أن هذا الكتاب يستهزئ بي كلما ظهر. أعتقد أني أخشى أن أحب لأني أخشى تلك اللحظة التي سأشعر فيها بقمة جوعي لك. تلك اللحظة التي تدرك فيها مدى حرمانك من لمسة حانية، حين يضمك شخص قريب لك، فتنقلب عليك موجة مشاعر عالية وتنهمر دموعك لمجرد أنك أدركت عمق احتياجك الغائر للاحتواء والحب.. وأني بالفعل أفتقدك.

المقالة السابقةإزاي توفري في مستلزمات الطفل الثاني
المقالة القادمةأهم نصائح للمقبلين على الزواج من الرجال والنساء
كاتبات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا