رسائل ضحايا الختان في حياة أخرى

1607

مع كل حادثة وفاة جراء جراحة ختان أقرؤها.. أغضب.. أحزن.. أنسج في مُخيلتي رد فعل الفتيات الضحايا عما حدث لهن. ماذا سيقولن إذا كان لهن فرصة التعليق على وفاتهن غدرًا بمباركة من جهل أهلهن. أتخيل حالة الارتباك ومشاعر الغضب والخذلان والصدمة التي ستحل عليهن، خصوصًا مع تستُّر الأهل على تلك الجريمة ومحاولة تبرئة الطبيب، وتسجيل الوفاة كما هو شائع على أنها ناجمة عن حدوث نزيف، أو بسبب الحساسية ضد البنسلين.

 

أتساءل: ماذا إذا مُنحن حياة أخرى؟ ماذا إذا سجلن كلمتهن الأخيرة؟

سهير الباتع 13 سنة، ماتت عندما أخضعتها أمها وجدتها لعملية ختان في أحد المستشفيات الخاصة، وعندما أحالت النيابة الطبيب الذي أجرى جراحة الختان للفتاة للمحاكمة، تنازل والدها عن المحضر.1

تخبرني أمي أنها ستصطحبني إلى المستشفى لتطمئن عليَّ، اُخبرها أنني بخير، فأنا لست مريضة، ولكنها تُصر.. أتعلل بإنهاء فروضي المدرسية، إلا أنها ترفض وتأخذني إلى المستشفى عنوة، هناك تأمرني أن أهدأ وأخلع ملابسي، أن أعرِّي نصفي الأسفل.

 

في الحقيقة أنا لا أفهم لماذا! فدائمًا ما توبخني أمي إذا ارتديت ملابس قصيرة أو ضيقة، وتتوعدني بأن تخبر أبي، كيف تطلب مني الآن أن أستلقي على السرير؟! أن أعري جسدي وأفتح ساقي وأنتظر؟! تشجعها جدتي، تخبرها أن ما سيحدث ضروري لكبح رغباتي الجنسية والحفاظ على شرف عائلتي. أسألها ماذا تعني كلمة رغباتي الجنسية، فتنهرني وتذكر أشياء عن لؤم البنات وخلفتهن الشؤم.

تعرفي على: هل الختان ضروري؟ الختان والبرود الجنسي

يتكور جسدي الصغير وأنتظر فَزعة، يأتي الطبيب ليمنحني المباركة والطهر اللذين كانا ينقصاني، فيسرق عمري ويرحل على مرأى من الجميع. الآن يحضر الموت، الآن فقط أهدأ، أنتظره، أراقبه من بعيد، أودع ألعابي وأقلامي وحصة الموسيقى، وقسوة أبي وضعف أمي وتسلُّط جدتي وجهلها، أودع خوفي وأنتعل حذائي الجديد، وأهرب بعيدًا للأبد.

 

“ميار محمد موسى 17 سنة، ماتت عقب عملية ختان بأحد المستشفيات الخاصة، ورفضت أمها إبلاغ الشرطة للتستر على الطبيبة”2

قبل ثلاث سنوات على وفاتي أخبرتني أمي أن عليَّ أن أجري جراحة للختان، حتى أصبح نظيفة. لم يكن لي رأي، فأنا أثق في أمي، وأمي لن تضيعني. كنت أتمدد على السرير عندما حدث كل شيء فجأة، بشكل سريع ومتلاحق، جسدي ينتفض، نبضي يضطرب، طبيبتي تنهار. تطلب المساعدة من آخرين، لا أعلم من أين أتت كل تلك الأشباح التي تُدعى مساعدتي، أنا نصف نائمة نصف مستيقظة.. حاضرة وغائبة في الوقت ذاته.

 

أستقبل الموت بوهن، أسمع أصوات الجميع بوضوح، لكن لا صوت لي، أسمع صوت أمي، صرخاتها المكتومة فور تلقي خبر وفاتي، ولكنها أنكرتني، أنكرت حقي ووجودي، تركتني أتجمد في ثلاجة الموتى ورحلت، وهي تردد “لقد ماتت من الحمى”، مرت ثلاثة أعوام على وفاتي، أنا الآن في العشرين من عمري، كان حلمي أن أدرس الحقوق، لولا أن أمي أخبرتني أن أذهب معها لأختن. أنا لست حزينة، أنا لست غاضبة، فأنا أثق في أمي، وأمي لن تضيعني.

 

الطفلة الصومالية ديقة نور ذات العشر سنوات، توفيت بسبب النزيف، بعد يومين من إجراء عملية الختان التقليدية لها.3

اسمي نور. عمري عشر سنوات. أحب الرسم. أتوحد مع الألوان، لوني المفضل هو الأحمر. تقول أمي إن اللون الأحمر هو لون الحداد، وأخبرها أن اللون الأحمر هو رمز الصراع للبقاء. سمتني أمي نور لأني بميلادي أضأتُ حياتها، فكفي الصغيرة هي ما كانت تجفف دموعها عندما كان يهددها أبي بالزواج من أخرى لينجب الولد. هذا الصباح حممتني أمي واستدعت نساء عائلتنا للاحتفال بختاني، رغم ألمي غير المتناهي.

 

نحن الآن في شهر يوليو، درجة الحرارة في الصومال 40 درجة مئوية، إلا أن جسدي الصغير يطير من الحمى، يرتعد، على الرغم من الحر الخانق في حجرتي سيئة التهوية. دقات قلبي تتحول إلى موسيقى تصويرية لفيلم ممل أوشك على الانتهاء، أسلي نفسي بالرسم، أنتزع خصلة من شعري، أستخدمها كفرشاة، فالسائل الأحمر الذي يتدفق من بين ساقي منذ ليلة أمس يُغريني بالرسم، أرسم سلمًا كبيرًا بارتفاع السماء، أرسم نفسي على شكل قديسة، ولكنها بنصف جسد، أتخلى عن نصفي السفلي، أحاول أن أصعد السلم للسماء، ولكني أفشل، فتنبت لي الكثير من الأجنحة البيضاء الملطخة بالأحمر، أحلق عاليًا فتنطفئ حياة أمي للأبد.

 

وفقًا لدراسة حديثة أجراها مجلس السكان الدولي عن الختان في مصر، أوضحت أن 92% من المتزوجات بين سن 15 و49 عامًا مُختنات.4

لسوء الحظ.. نحن الناجيات من الموت، المغتالات بالختان، نحن من اختزلنا المجتمع في إحصائيات وأرقام، نحن من شاركت نجاتنا من الموت في تمرير فعلتكم النكراء، ولحسن الحظ أيضًا إننا المحرَّرات من الموت في اللحظة الأخيرة. لم نمت ولم نستسلم، نحن الحكايات الموجعة خلف كل رقم وإحصائية، نحن الحكايات التي ستظل تطاردكم للأبد، نحن من خُتِّنَّ تحت شعار فضيلتكم الزائفة، ثم وُصِمنا بالبرود والنقصان، لا شيء سيُمَرر، لن نضفي شرعية على خطاياكم من أجسادنا بعد الآن، سنكون نحن القوة التي ستحرك صمت كل النساء المخدوعات، سنخبرهن أنه ما زال هناك متسع للانعتاق من هذا الخوف والوقوف من جديد والمقاومة لآخر يوم في حياتهن.

 

سنحتضن أنفسنا سنحتضن تلك المخلوقة الأنثى بداخلنا، لن نروِّضها، سنجعلها تدافع عن نفسها، عن رغبتها، وعن صغيراتها بشراسة أنثى ترفض أن تستسلم أو تسلم صغارها، سنرفض إقصاءنا، سنتعافى، سنحكي ونكتب وندوِّن حتى لا تنتهي الحكاية تحت وطأة الصمت والخوف والجهل والتستر.

ليتكات الاخبار

  1. http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/06/130620_egypt_genital_mutilation
  2. https://arabic.rt.com/news/825615-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%A9-%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%82%D8%A9-%D9%8A%D9%81%D8%AC%D8%B1-%D9%82%D8%B6%D8%A9-%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%A7%D8%AB-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1/
  3. http://www.bbc.com/arabic/middleeast-44968971
  4. https://www.almasryalyoum.com/news/details/1366267
المقالة السابقة20 سببًا للاستمرار في الحياة
المقالة القادمةما هو الشغف؟ كيف يمكن أن تجد شغفك في الحب والعمل
صحفية وكاتبة مصرية

2 تعليقات

  1. كلامك اكتر من رائع كنت اتمنى اكون بنت من اللى بتحكى عنهم دول لانهم ارتاحوا احنا اللى عشنا اكتر ناس متعذبين لحد ما هنموت

  2. مش عارفة اقول ايه ممكن فعلا الموت اريح فموقف زي داه بدل العيش بشعور جارف من النقص و العضب

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا