خرجت من البيبان

623

“اخرج م البيبان، الحر الضيقة، الكون صابح جميل، والدنيا مروّقة”

لأول مرة منذ أعوام يكون عامي مليئًا بالقرارات بدلاً من الخطط الفارغة، بعضها كان بعلم وتخطيط، ولكني فاجأت نفسي بعدة أفعال لم أعتقد أني سأفعلها يومًا، وبإرادتي الحرة غالبًا.

 

عادة أنا شخص محب لعمل القوائم، قائمة بالأمور التي يجب فعلها هذا العام، قائمة بالأفلام التي يجب مشاهدتها، وأخرى بالكتب التي سأقرؤها، قوائم أسبوعية لوجبات الأسبوع، وأخرى لشراء مكونات وجبات الأسبوع، قائمة بالكتب التي يجب أن أشتريها في معرض الكتاب، قائمة بالأمور التي يجب فعلها قبل بلوغي سن معيّن، ولكني أضفت في العام الماضي بعض العادات الجديدة.

 

كنت أتوقع عامًا سيئًا نظرًا لبدايته، فقد وضعت لنفسي تحديًا جديدًا مشابهًا لتحدي الطبخ الذي أنهيته منذ سنوات مضت، وكنت في البداية متحمسة للغاية، ولكن فجأة تمكّن مني الإحباط واليأس دون مبرر فعلي، فقررت الانسحاب مبكرًا عندما لم أجد في نفسي الطاقة للاستمرار في هذا التحدي، لأي تحدٍّ من الأصل، وجلست في المنزل أستمتع باكتئابي.

 

يقال عندما تصطدم بالقاع فهذا قد يكون أمرًا جيدًا، لأنه لن يوجد أمامك طريق سوى الصعود للأعلى، ويبدو أن هذا هو ما حدث معي في النهاية، كنت أعاني من الألم على كل الأصعدة، النفسية منها والجسدية، بل حتى عملي كان يصيبني بالألم.

 

عثرت في أحد الأيام أثناء تصفحي المعتاد على فيسبوك على صورة مكتوب عليها “قدّر انتصاراتك الصغيرة”، جذبتني الجملة بشدّة دون أن أعرف السبب وقتها. وضعتها عندي حتى علمت سر هذا الانجذاب، أنا شخص دائم الشكوى من عدم الشعور بالتقدير، فاكتشفت أنني لا أُقدّر نفسي، ووجدت أنني بالفعل شخص يستحق التقدير، وأن هناك الكثير من حولي يقدرونني، ولكن عدم تقديري أنا لنفسي يمنعني من رؤية ذلك.

 

وقفت مع نفسي وقدّرت لها العديد من الأمور، قدّرت لنفسي خروجي من اكتئاب الولادة، وإكمالي لمشوار علاج حساسية “مريم”، تحملي للعديد من الصعاب النفسية والمادية، رفضي للأوضاع التي لا أتقبلها وابتعادي عنها، ومنها استقالتي من عملي مرتين رغم تحذيرات من حولي، انتصاري على فوبيا الحيوانات وإصراري ألا تُصاب ابنتي بها، حتى عملي في مجال الرياضة الذي جاء دون إرادتي، استطعت أن أتعامل معه بل وأحبه وأتفوق فيه سريعًا.

 

بتقديري الشخصي لنفسي، تعلَّمت أن أسامحها أيضًا على أخطائها، وأن أحاول الكف عن جلد ذاتي في كل مناسبة أو حتى دون مناسبة، مدركة أن الجميع يخطئ، وأني لست أفضل منهم، ومن حقي أيضًا أن أخطئ.

 

واكتشفت أن في هذا الطريق الطويل الذي بدأته دون قصد أو خطة، كنت أكسر تدريجيًا القوقعة التي كنت أصر على البقاء بداخلها، أخطو ثابتة إلى خارج “الكومفورت زون”، أفتح البيبان التي يدعوها “منير” بالحر الضيقة. رحلة هنا، حفلة هناك، مشوار طويل مرة، وسائرة على قدمَي في أخرى، ووجدت نفسي للمرة الأولى في حياتي، شخص أهدأ ولو قليلاً، أهدأ ولو داخليًا فقط ولا أحد يستطيع رؤية هذا الهدوء.

 

أعلم جيدًا أن هذا الهدوء الداخلي نابع بالأساس من مداومتي على الأدوية، هذا العام كان عام الأطباء بامتياز، معرفة أسباب الألم والبدء في علاجها والمواظبة (أو محاولة المواظبة) على تناول الأدوية كان بدوره أمرًا جديدًا بالنسبة لي، واتخذت قرارًا بدأت بالفعل في تنفيذه، وهو أن أكون شخصًا أفضل بإتمامي عامي الـ35، لا يزال أمامي 3 سنوات، ولكني أحب أن أحقق هذا الأمر بخطوات بطيئة حتى يصبح عادة وأداوم عليه.

 

أعلم أن 2018 لم تكن سعيدة على الغالبية، وعاتبتني صديقة بحب قائلة إنه يجب عليّ أن أكره 2018 لما سبَّبته من ألم لأصدقائي، ولها أقول هذا العام بالتأكيد لم يكن بلسمًا لحياتي أنا الأخرى، ولكني أعلم يقينًا أن ما مررنا به جميعًا على اختلاف درجة قسوته، إنما هو إجبار لنا كي نخطو خارج “الكومفورت زون” خاصتنا، والتي حجبت عنا حقيقة الرؤية لسنوات طويلة.

 

لا أعرف حتى الآن ما هو شعوري تجاه 2019، ولم أضع قوائمي بعد، كما لم أضع خطة تفصيلية، وليس لديَّ رؤية مسبقة لما هو قادم، ولكني أعلم يقينًا أن 2018 لم تكن سنة عادية بأي حال، لا أحمل ضدها أي ضغائن أو كراهية، رغم كل ما حدث لأصدقائي وما يحدث لي بصفة شخصية فإني أرى في هذا خيرًا بطريقةٍ ما، ورغم سنين عمري الـ32 التي يفترض أن تعني أني نضجت منذ عدة سنوات، فإنني لم أشعر بهذا إلا في هذا العام، وله أنا شاكرة.

 

أخطو ثابتة إلى خارج “الكومفورت زون”

 

المقالة السابقةانتصار ما بعد الهزيمة النكراء
المقالة القادمةأيام الفوضى الخلاّقة.. الجميلة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا