حُب الرمان

1406

في طفولتي زرعت أمي دون أن تدري في داخلي أنا وإخوتي خوفًا من بقع الرمان! وكانت دائمة التحذير لنا أثناء تناوله أن لا نُسقط على ملابسنا أي حبة لأنه يترك بقعًا ثابتة يصعب إزالتها.. لدرجة أننا كنا نتجنب تناوله.. حتى نسينا طعمه تقريبًا.

فنشأت أخشى هذه الفاكهة رغم جمالها وفوائدها، وكلما رأيتها أتخيل ملابسي مبقعة.. لدرجة أنني تجنبت تناولها لسنوات عديدة.

وبالتالي مارست نفس الشيء مع أولادي.. فلم أتذكر مرة أني اشتريتها لهم.

وفي صباح أحد الأيام قابلتني إحدى السيدات الجميلات البسيطات في المعيشة.. أعرفها منذ فترة.

والتي لا تمتلك إلا القليل وتكافح لتعيش هي وأولادها.. وقد وضعت بين يدي كيسًا فيه عدد من ثمرات من الرمان!

قلت: ما هذا؟!

قالت لي بحب: ده هدية مني.. رُمَان.. متكسفينيش! وابتسمت.

استغربت.. وقلت لها شكرًا جدًا! وأحسست بكمّ الحب في عينيها وأنها ترغب في إهدائي شيئًا ولكنها لا تمتلك سوى تلك الثمرات.. حقًا سيدة بسيطة ولطيفة.

ورغم خوفي السابق من هذه الفاكهة، ورعبي مما تصنعه من بقع تدوم في الملابس ويصعب إزالتها (عقدة الطفولة). إلا أن محبة هذه السيدة غمرتني!

وكنت وأنا أقوم بتجهيزها لأولادي.. مملوءة بمشاعر الحب لهذه السيدة الرقيقة!

وفي طريق عودتي من العمل شاهدت أحد محلات الفاكهة تضع رُمَانًا فتذكرت موقف السيدة المُحِبّة. وتعجبت من نفسي، كيف أصبح الرمان في عقلي مرتبطًا بمحبة هذه السيدة ومشاعرها الرقيقة وليس بالبقع.

فقد صنعت بمحبتها شيئًا ما في داخلي.. أزالت بمحبتها مخاوفي القديمة.. لا أخفي عليكم لقد أحببت الرمان.. لقد تعلمت أن للأعمال المحبة مفعول السحر، فلا تبخل على أحد بها.. ولا يهم ماذا تقدم، بل كيف تقدم.

حتى لو كانت ثمرات بسيطة تحتوي على حب الرمان.. أو قل “حُب الرمان”.

المقالة السابقةوبمحبة قلبي هقدر ع الليالي
المقالة القادمةسلامتها أم حسن

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا