تيمور وشفيقة Vsالباب المفتوح

1817

فيلمان كلما رأيت أحدهما لا بد أن أتذكر الآخر، وأتعجب من ارتباطهما الشرطي برأسي!

رغم اختلافهما حد التناقض أراهما كوجهين لعملة واحدة.

 

“راجل يعني تيمور” .

تيمور.. الرجل الحِمِش الذي يعشق حبيبته ويخاف عليها، لا يرى فيها سوى طفلة صغيرة مهما كبرت لا تستطيع أن تخطو وحدها أبدًا، فيتعامل معها معاملة العصافير، يضعها داخل قفص جميل، يُطعمها، يحنو عليها، يقضي معها أوقات طويلة ومن وقت لآخر يُشذِّب لها جناحيها ويُقصقص ريشها كي لا تطير، ظنًا منه أنها إن غادرت قفصه لن تلبث إلا أن تموت.

شفيقة.. الفتاة التي لم يدخل حياتها سوى حبيب واحد، ما جعلها لا ترى رجلًا غيره. ولأنها لم تكن تسمع إلا له ولأنه لم يُخبرها، لم تعتقد أبدًا أن قصص الحب قد لا يُكتب لها النجاح، فظلت تُعطي من روحها حيث لا مجال لها لقَول لا، وإن قالتها سريعًا ما تتراجع عنها خوفًا من فورة غضب لا تعرف كيف تخمدها، وإن حصلت على مبتغاها لا يكون ذلك عن استحقاق بل تَكَرُّم وتَعَطُّف من حبيبها الشهم بعد محايلات ودموع وحزن طويل.

 

مش شايفة إنِك غلطانة؟

الغلط كان في أسلوب الحوار من الأول.

يعنى الغلط مني؟ ماشي.. ده أسلوبي ومش هيتغير، وأنا شايف إنك غلطانة ولازم تعتذري، وتعتذري وإنتي حاسة بالندم من جواكي كمان، ويا قبلت اعتذارك يا مقبلتوش.

 

تيمور اللي “بيصلح لشفيقة كلامها باستمرار كأنه بيربيها” يغضب منها وعليها، ولأنه وحده له الحق في أن يقول “إمتى يتخانقوا وإمتى يتصالحوا” يرفض أن يستمع لها أو لمبرراتها، كل ما يهمه أنها أخطأت وأنها وجب عليها الاعتذار لأنه قال ذلك. ولأول مرة نجد شفيقة تضع حدودًا في علاقتها بتيمور لتخبره أنها لن تعتذر ولن تقبل أي أوامر، وحده النقاش ما سيحدد اتفاقهما أو اختلافهما بعد ذلك، ليقفا معًا عند حائط سد يرفض أن يتنازل أيٌّ منهما أمامه.. وتنتهي قصتهما.

 

في طريق موازٍ نرى نموذجًا مختلفًا لاثنين آخرين،  ليلى وحسين والباب المفتوح.. ذلك الباب المفتوح على الحياة بوسعها وكل ما فيها، بحلوها ومُرها ومرارتها، باحتمالاتها اللا نهائية وحوافها وحوافرها. الباب الذي فتحه لنا الله على مصراعيه، فسسدناه نحن في وجوهنا وجلسنا خلفه نُضيّع وقتنا ما بين الدَق مرة والانتظار مرات.

 

“أنا أحبك وأريد منك أن تحبيني، ولكني لا أريد منك أن تفني كيانك في كياني ولا في كيان أي أنسان. ولا أريد لك أن تستمدي ثقتك في نفسك وفي الحياة مني أو من أي أنسان. أريد لك كيانك الخاص المستقل، والثقة التي تنبعث من النفس لا من الآخرين. عندما يتحقق لك هذا لن يستطيع أحد أن يحطمك، لا أنا ولا أي مخلوق”.

 

ولأن الله يعلم أن الإنسان كان جَهولًا خَلَق لنا رجالًا مثل “حسين” .. ذلك الرجل الذي آمن بحبيبته حتى وإن كانت لا تؤمن هي بنفسها، لم يُقلل منها، لم يستعجلها، بل ظل طويلًا يُنير لها ظلام طريقها الموحِش، كيف لا وهو أحد هؤلاء من يُسلطون الضوء لأحبائهم على قدراتهم الخاصة، يُخبرونهم أنهم قادرين على الطيران ثم يمنحونهم كل البراح الممكن لممارسة ذلك.

 

و”ليلى” الفتاة التي تنبض كل خلية داخلها بالحرية والحياة والحُب، لا تقتنع بالأصول الجامدة العقيمة، تلك الأصول غير المجدية والمحفوظة دون تفكير. تعرف كيف تقول لا بوجه من قالوا نعم بقوة وشجاعة وتحدٍ. لكن المجتمع لا يتركها تحيا في سلام.

 

أمشي كل السكة دي لوحدي؟!

دي السكة اللي ضروري تمشيها لوحدك.

وع البر هلاقي إيه؟

هتلاقي حاجة أهم مني، حاجة أهم من أي إنسان تاني.. هتلاقي نفسك.

 

لأن المجتمع لا يفهم معنى الحرية ولا الشخصية يَعز عليه أن يترك الأرواح الحُرة طليقة، يُصر على أن يكسرها. فتنغلق ليلى على ذاتها، تحبس نفسها في دائرة ضيقة، تخنقها هي قبل الآخرين فتتحول لكائنة تعيسة، متبلدة، معدومة الحِس والتفكير. يظل حسين يُحاول معها بهدوء ومودة، يُريد أن يُكمل معها مشواره/ ها لكن حتى وإن اختارت غيره لن يكرهها أو يؤذيها بل سيظل ملاكها الحارس، يفتح لها الباب على مصراعيه لأنه يثق بها وبقُدرتها على الانطلاق، ولأنه لا يملك سوى الانتظار.. انتظارها.

 

“أنا منفعش أكون غير سي السيد” تيمور 2007

 

هل ينتهي فيلم “تيمور وشفيقة” عند ما ذكرته سلفًا؟!

لأ طبعًا!

إذ بعد سنوات عديدة تُقرر شفيقة أن تتنازل لتتزوج الرجل الذي تحبه والذي ما زال كما هو، ليس المؤسف أنها تنازلت ولا أنها اختارت حُبها على حساب جزء من حريتها وراحتها، أو حتى كرامتها، ففي نهاية الأمر القصة قصتها ونحن لسنا جزءًا منها، هي وحدها من ستدفع الثمن حُزنًا أو فرحًا. الشيء المؤسف هو موقف تيمور، فشفيقة على الأقل تنازلت من أجل استمرارها مع حبيبها، بينما هو كان على استعداد لفراقها للأبد دون أن يحاول الوصول معها لحلول وسطية ترضيهما الاثنين.

 

لماذا نُربي أبناءنا على أن الرجل لا يبذل جهدًا لإثراء علاقاته العاطفية، وأن على المرأة أن تقبله كما هو، في الوقت الذي على المرأة أن “تولَّع صوابعها العشرة شمع”؟! فهي من تُضحّي، تتحمّل، بل وتُشارك أحيانًا في تَحَمُّل الأعباء المادية، وحين يفيض بها الكيل لا يرى فيها شريكها سوى أنها “بوزها شبرين، غاوية نكد ومش عايزة تعيش”.

 

“اعملي اللي بتؤمني بيه قبل فوات الآوان” حسين 1963.

 

هل ينتهي فيلم “الباب المفتوح” بزواج ليلى وحسين مثلما انتهى تيمور وشفيقة؟!

برضو لأ طبعًا.

صناع العمل لم يكن هذا ما يعنيهم أو يرونه هو منتهى الأمل، بل خروج ليلى من السرداب وتغلبها على شبح الخوف كان هو النجاح الأكبر المنشود، نعم ليلى تُحب حسين، نعم ستسافر معه للغد المجهول، ولكن بعد أن وجدت روحها الحقيقية الضائعة، فأصبحت حُرة، فحتى وإن لم تنجح معه لن يستطع ذلك أن يكسرها.

 

العلاقات لا تنجح فتستمر من تلقاء ذاتها، ولكن لأن كلا الطرفين قرر بشجاعة أن يعمل ويُحارب من أجل الوصول للسعادة القصوى مع/ لأجل الآخر، أما العلاقات التي تسير بالقصور الذاتي وبركة دعاء الوالدين فهي مهما طالت لا تلبث أن تتحطم وعلى أتفه الصخور، لأن مع كل أزمة تفقد العلاقة جزءًا من الغُلاف الذي يحميها، حتى إذا ما وصلت مرحلة ما أصبحت مهترئة للغاية، هَشَّة، ضعيفة، فيصبح وقتها موتها هو الحل الوحيد المتاح والأكثر راحة.

المقالة السابقةبان كيك مع الموز المكرمل
المقالة القادمةعندي داء السيييييطرة
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا