تشتري كلب؟ لا.. عايزة آلة زمن

704

لماذا لا أمتلك ميزة الانتقال بالزمن إلى الماضي كيفما شئت، مثلما امتلكها العديد من أبطال الأفلام، أو آلة للزمن تنقلني وقتما أشاء، فأتفادى شراء “بيكي” وأجنّبها ونفسي وأهلي مشقّة كل شيء، بداية من رعايتها وحتى الاستغناء عنها؟

 

لكي لا يطول تساؤلكم طويلاً، فـ”بيكي” هي جرو أنثى صغير من نوع جولدن ريتريفر، عرضتها صديقة للبيع بسبب ظروف خاصة، ورغم أنني أخاف من الكلاب ولم أحلم يومًا بالحصول على واحد، لكنني وقعت في حبها منذ أن رأيت صورتها للمرة الأولى، وسعيت حثيثًا للحصول عليها وتذليل العقبات، حتى بالفعل جاءت للمنزل، الذي لا يعلم أهله شيئًا عن الكلاب.

 

أقول لكم.. عانيت معها، ولا أزال أعاني، فحتى لحظة استلامي لزمام “بيكي”، وكنت أرفض لمسها حتى، ولكن فور أن أصبحت أنا وهي فقط، أصبحت وكأنني أتعامل مع الكلاب منذ فترة ليست بقليلة. ولكن تلك كانت حالي وحدي، فقد رفض زوجي التعامل معها وكان يشعر بالاشمئزاز منها، بينما حبست ابنتي نفسها في غرفتها لمدة يومين، ولا تخرج من الغرفة إلا وأنا أحملها لتجلس في منتصف طاولة السفرة حتى تكون بعيدة عنها.

 

لم يستمر هذا الوضع كثيرًا، فبالتدريج أصبحت قادرة على التعامل معها، وابنتي أصبحت تتعامل معها بنِديَّة، كما أن زوجي أصبح يضع لها الطعام ويخرج معها وتجلس على ساقه. ومثلما تغيّرنا، فهي أيضًا تغيرت وازدادت في الحجم، كبرت بشدة خلال شهرين فقط، ومن المتوقع أن تكبر عن حجمها الحالي مرتين على الأقل.

 

لكن مع مرور الوقت، يزداد الحمل الثقيل الخاص بـ”بيكي”، فهي لم تتعود بعد قضاء حاجتها خارج المنزل، تمر بفترات اكتئاب لأن أصحاب المنزل (نحن) غير متوفرين للعب معها طوال الوقت، وبسبب حالة الندية مع ابنتي فهي تلعب معها بطريقة “غشيمة”، تنتهي بابنتي وهي تبكي وتصرخ، وبي وأنا أوبّخ “بيكي”. لم أستطع تحمل الأمر، وعرضتها للتبنِّي، قارنت بين العروض المقدمة واتفقت مع أحدهم، قائلة لنفسي إنني أعطيتها بدل الفرصة ألف وبدل التدريب عشرة، ولكني أشعر أن كل هذه المجهودات تذهب بلا طائل. يحدثوني عن الحب غير المحدود الذي ستعطيني إياه هذه الكلبة، ولكنني لا أستشعره. وحانت لحظة الحقيقة، وحان وقت تسليم “بيكي” لبيتها الجديد.

 

لم يحدث أي من هذا، بل ما حدث هو أنني ظللت أبكي طوال الليل بحرقة شديدة، مرضت وكانت حالتي كما يقولون “كرب”، ظللت أقنع نفسي أن هذا أفضل للجميع، ولكن قلبي أبى أن يطاوعني فيما أحاول أن أتحايل عليه، وفي النهاية انتصر القلب داعيًا العقل أن يريح نفسه قليلاً. رغم أنني ما زلت مجهدة من العمل وطلبات الصغيرة والعناية بالجرو ومحاولات الاهتمام بالمنزل، لكنني أشعر أنني اتخذت القرار الصحيح بعدم الاستغناء عنها، ولكن هذا لم يمنعني من التساؤل، لماذا لا أملك ميزة الذهاب للماضي وإقناع نفسي بعدم شرائها، فبالتأكيد كنت سأوفّر على نفسي الكثير من وجع القلب.

 

ليس هذا هو الأمر الوحيد الذي أريد العودة بالزمن لتغييره، بل أريد العودة لتأجيل الإنجاب قليلاً، وإقناع زوجي بعدم الدخول في الصفقة الخاسرة، وإقناع نفسي بعدم إجراء العملية الفاشلة، وعدم تركي للعمل لفترة من الوقت من أجل عمل آخر، والتراجع عن الكثير من القرارات المالية، والنوم مبكرًا بدلاً من السهر حتى صباح اليوم التالي… إلخ… إلخ… إلخ.

 

نقول لصديقتنا إن قلبها “عيّل”، لأنها ترجع في قراراتها سريعًا بسبب زوجها، والحقيفة أن قلبي أيضًا عيّل، لأنني بالرغم من علمي بإرهاقي وتعبي في حالتي الحالية، فبالتأكيد كنت سأخوض كل هذه التجارب بحذافيرها، خوفًا من أن أحمل متأخرًا فألد طفلة أخرى غير “مريم”، أو أتأخر في قرار شرائي للجرو، فيقع حظي في آخر غير “بيكي”. قلبي متعلق بهما وبيننا الكثير من الذكريات، وإن عدت بالزمن لاتخاذ قرارات مختلفة، فسأعود بذاكرتي الحديثة، عندها لن أستطيع أن أنفذ ما أتيت من أجله.

 

أحاول قدر الإمكان معايشة الوضع الحالي، وبدلاً من محاولات الهروب للماضي للعثور على فرصة ثانية لن تأتي، بالتأكيد أستطيع أن أصنع لنفسي فرصة ثانية للتأقلم مع حياتي، دون نسج سيناريوهات خيالية للهروب منه، وتقبله كما هو ومحاولة تحسينه، فهذا الأمر هو الأقرب إلى الواقع. ولكن بالرغم من كل هذه الإجابات المقنعة، أعلم أنني سأظل أتساءل، ماذا لو امتلكت آلة للزمن؟!

المقالة السابقةاعترافات خفيفة تليق بعامي الثلاثين
المقالة القادمةإيمان عبد العاطي.. شبيهتي التي أوجعتني

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا