بيوت الروح

805

 

بقلم/ اعتماد صلاح محمود

 

خلقنا من طين وقلوب هشة لا تطيق وجعًا، في احتياج دائم للفرح، تخيلنا كذبًا أن الحياة دار لليسر، فغاب عنا أنها لم تخلق لتكريم آدم، بل خلقت اختبارًا له.

 

مخاوف كثيرًا تطاردنا بقدر ما أفجعتنا الخيبات، يصيب قلوبنا الهلع، وربما عجزنا عن المواجهة في مرات عديدة، يصينبا شبح الخوف فيعظم ما هو هين، فنشعر أننا لن نستطيع أن نكمل بدون ذاك الحلم، وأن سقوطنا هنا هو النهاية.

 

لطالما كان الوجع أعظم في بدايته، إلى أن نعي حقيقة تلك الأشياء التي عظمناها، فبكينا لأجلها، إلى أن ندرك أننا نحن من نعظم الوجع داخلنا. الحياة هادئة عندما تصل لقمة هدوئك النفسي فتتقين أنها تطيب لمن يستقبلها بقلب راضٍ.

 

يصيبني الجزع أحيانًا فأشعر أن كل هذه الخيبات نجوم سقطت دون أن نلحقها، وأحيانًا أراها شهبًا لو سقطت في محيطنا لاحترقنا. ربما بعض الطرق تظهر لأعيننا مضيئة فيُعتم الله قلوبنا عنها، ليخبرنا أن هذا النور ما هو إلا انعكاس لانبهار نفوسنا.

 

تنقصنا البصيرة، تنقصنا القوة لمقاومة ما نحب ومواجهة ما يخيفنا، ينقصنا اليقين لنعلم أن بعض الخير يكمن في المنع.

ترهقنا الوحدة، تنهك الأسئلة عقولنا، فتكون إجابات العقل أشد عنفًا وقسوة على أن تتقبلها القلوب.

 

في أشد الحاجة إلى بيوت، لا أقصد تلك البيوت التي تستر أجسادنا، ولا تلك التي نهوى إلى ركن منها فنبكي خلسة خوفًا من عجز جدرانها عن ستر دموعنا.

 

إننا بحاجة إلى تلك البيوت التي تستر أرواحنا إلى من نبكي معهم، بكل ما أوتينا من وجع، فتتسع أحضانهم لكل الخوف داخلنا، إننا بحاجة إلى أمان أعظم من صلابة الجدران.

 

كثيرًا أعجز عن البكاء في أشد لحظات الوجع، أشعر أن للبكاء قداسة وأن الدموع أعظم من أن يستقبلها قلب لا يرفق بها. هؤلاء الذين يصيبهم الوجع كثيرًا فيتظاهرون بكل مظاهر القوة، في أشد الحاجة لمن يعطي لقلوبهم أمانًا، يطلق لدموعهم عنان الحرية لتهرب من محابسها.. “سلامٌ على من أخفوا أوجاعهم بضحكة كبرياء”.

 

نبكي حين يصيبنا الظلم وحين يخذلنا أحدهم، نبكي مع سقوط الأحلام وحين يمس الفراق من قلوبنا، ونبكي ونبكي.. لطالما كان للبكاء أسبابه الجلية، أكره تلويث الفرح بالبكاء، وأبغض الربط بينهما.

 

في صراع أبدي مع القدر، مع الخوف والعجز، بين ما نريد وما كتبه الله في غيبه. أفكر كثيرًا ما إذا كنا مُخيَّرين أم مسيرين كيفما شاء القدر؟ هل لنا حق اختيار السبل أم خلقنا لنسير على نهج إلهي؟ هل خلق الحزن ليختبر صبرنا أم أنه عقاب لجزعنا من الأيام؟

 

أظننا نخير في البدايات، ولكن النهايات لا يعلمها إلا الله.. أسأل الله النور الذي يرشدنا لبدايات لا نهايات لها سوى الفرح، أسأله اليسر بعد العسر، وإن كُتب لنا عسرًا لكان في البداية، إلى أن ننتهي عند اليسر العظيم.

 

هل خلق الحزن ليختبر صبرنا أم أنه عقاب لجزعنا

 

المقالة السابقةما أثر الصمت على العلاقات، وهل الصمت يقتل الحب فعلا!
المقالة القادمةفيلم Pink.. دليل حماية النساء من التحرش
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا