بين أن أنظر إليّ وأن أراني

423

أنا أعرف نفسي جيدًا فما حاجتي إلى المرايا؟!

دائمًا كنت أردد هذه الجملة لصديقاتي وأنا أتباهى أمامهن بأني أرتدي ملابسي وأضع مساحيق تجميلي دون النظر إلى المرايا. كبرت واعتدت ألا أنظر. أنهي استعدادي للخروج في وقت قياسي وأسابق نفسي لأكسره كل مرة.

 

أنا أعرف نفسي جيدًا فما حاجتي إلى المرايا؟!

أعرف أني لا أحب الشعر المنثور على خدي فأرفعه دون أن أنظر، وأعرف حدود شفاهي فأزينها بالأحمر دون أن أنظر، وأعرف كيف أضبط تنورتي وقميصي فما حاجتي إلى المرايا.

 

ظللت أرددها وأنا لا يعنيني شيء.

لم أفكر يومًا هل أنا جميلة أم لا.

لم أفكر يومًا ما في شكلي وفي استدارة وجهي وفي تقوّس حاجبيّ وفي اتساع عينيّ. 

لم آبه بكل هذا.

أنا جميلة.

أشعر أني جميلة.

فما حاجتي إلى المرايا وأنا أعرف نفسي جيدًا؟!

 

حتى كان يومًا غريبًا.. خرجت فيه برفقة صديقتي.. تمشينا على ضفاف النيل وتسكعنا في الطرقات وفي نهاية اليوم دخلنا إلى “حمام السيدات” بنادي التجديف، وبينما تعدّل هي من مظهرها نظرت أنا للمرة الأولى إلى المرايا!

 

لم أنظر فقط في واقع الأمر، ولكني ثبتّ عيني لأرى.

لأراني…

 

كان يومًا غريبًا، وكنت ألهو بالنظر في المرايا، فإذا بي بدلًا من أن أنظر.. أرى.

 

أراني!

 

أرى نفسي!

 

أرى شكلي واستدارة وجهي وتقوس حاجبي واتساع عيني!

وسألت نفسي: هل هذه الفتاة التي تطالعني من الناحية الأخرى هي أنا؟!

هل هذه أنا؟!

لم أشعر بصدمة ولم أكذّب ما أرى.. فقط تساءلت: هل هذه الفتاة هي أنا؟!

 

سبب هذا التساؤل هو اختلاف الصورة الذهنية التي كنت أكوّنها لنفسي، عن الصورة الحقيقية التي تطالعني من الناحية الأخرى والتي يتعامل الناس معي من خلالها.

 

كانت صورتي الذهنية مختلفة قليلًا عن الحقيقة، فقد كنت أعتقد أن هناك قمرين صغيرين ينامان في حدقتي عيني، وأن هناك نهرًا أسود يسيل من رأسي حتى نهاية ظهري، وأن هناك زهرة صفراء صغيرة ترقد على طابع الحسن بذقني. فإذا بي أعرف أنه لا أقمار هناك ولا أنهار ولا زهرات صغيرات. 

فقط فتاة عادية بملامح هادئة وعينان عسليتان، وضفيرة طويلة تمرح على ظهرها غير عابئة بأي تساؤلات.

 

مر على هذا اليوم أكثر من عشر سنوات، كبر القلب فيها وتعلم أن الأقمار لا تنام في الأعين، والزهرات الصغيرات ينبتن فقط في الصوبات الزجاجية.

 

كبر القلب ونضج العقل وتعلم أن المرايا الحقيقية هي المرايا التي ترى الروح لا الوجه، وأن الأهم من أن تنطر إلى نفسك هو أن تراها.

 

ليس مهمًا أن ترى نفسك أجمل أو أقبح.. المهم أن ترى الحقيقة.

المقالة السابقة7 اتهامات لو هتودي بنتك الحضانة
المقالة القادمةدقية البامية باللحم الضاني

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا