بيقولك.. الجواز وسنينه     

541

“الجواز حلو يا ريم.. اتجوزي” كانت تلك الجملة من أغرب ما سمعت عن هذا العالم المبهم لي قبل أن أقرر خوض تجربتي الخاصة في الزواج، وغرابة الجملة لم تكن فيها، إنما فيمن قالتها، وهي صديقة مقربة لي، كنت على علم بأنها الأكثر معاناة في حياتها الزوجية عن الأخريات اللاتي أعرفهن، وأكملت الجملة بـ”الجواز فيه خناق ومسؤولية وقرف كتير، لكن في الآخر هو برضو حلو”، استوقفني هذا الصدق المحايد الذي لا يتطرف لفكرة، وإنما يرى الأمر كما هو.

 

وبعيدًا عن صديقتي الصادقة، وبعد أن خضت التجربة بنفسي وسمعت كل الشهادات، منها البائس للغاية ومنها الحالم، أصبح لي الآن حق الشهادة على كل ما سمعت قبل وبعد زواجي.

 

نبدأ بالنظرة الحالمة..

“هيجيبلك الفطار في السرير وهتستناك وهي محضَّرة عشا على الشموع، وكل يوم هيبقي جديد.. والشوق الشوق”.

تلك الأحلام التي لا تصمد إلا لأسابيع أو شهرين بحد أقصى، ولكن هذا لا يعني أن ما يلي تلك الفترة المنتعشة هم وغم، ولكنه يتحول لمعانٍ أعمق وأصدق. وإن كان الوضع غير مُبشِّر، تتحول لحياة صامتة من شدة الصدمة “إيه ده؟! هو ده الجواز يعني؟!”. وعادة من البدايات تظهر المؤشرات، فتلك الفترة الأولى التي نرى فيها الآخر دون رتوش أو تجميل هي الأصعب، أو الأصدق “كل واحد ورزقه اللي اختاره”.

 

ثم تأتي النظرة البائسة..

– “شر لا بد منه”

حقًا؟! من صاحب تلك الجملة البعيدة عن أي منطق؟ ما دام شرًا لماذا لا نعتزله؟! أو لماذا نراه شرًا من الأساس؟! بالنسبة لي كانت تلك الجملة هي الأكثر حماقة، أعتقد أن من قالها قد سلبت منه الإرادة في اختياره لشريك حياته، وأيضًا ارتضى لنفسه الشر حتى سلَّم أنه لا بد منه.

 

– “كبت حرية”

الحرية مفهوم مطلق، بمعنى أن كلاً منا يراه كما يرغب، فهناك من يرى أن الحرية في الخروج والسفر والأصدقاء، وهناك من تراه في “ميقوليش رايحة فين وجاية منين”، وفي كل الحالات هو وصف يؤكد عمن قاله إنه ليس حرًّا في الأساس. إن كنت حرًا بالفعل سيكون لك من البداية كيان متفرد تختار من خلاله من يحترم هذا الكيان، أما الخلط بين المسؤولية وكبت الحرية -فعذرًا- هذا في رأيي رجوع للخلف، إذا كنت تريد شراكة فعليك أن تشارك، أو من البداية لا تتشارك الحياة مع أحد.

 

– “بعد الجواز كل الحب ده بيروح وتبقى العشرة والاحترام”

هذه الجملة صحيحة جدًا لمن أراد، وبعيدة عن الواقع جدًا لمن أراد أيضًا. في اعتقادي تكون صحيحة لمن كان الزواج له هو الهدف، فبعد تحقيق الهدف يبقى الاحترام، كما في مشهد “النوم في العسل” مع عادل إمام حين يقول الممثل أمامه “هو فيه إيه دلوقتي بين الست والراجل غير الاحتررااام، الاحترااام وبس”، ولكن الحب مثل الطفل، كما ينجب الطفلَ رجلٌ وامرأة ويتحملان تربيته، كذلك الحب إذا أراد الطرفان بقاءه يبقى، يبقى لأن هناك من يرغب في وجوده، يبقى إن وجد من آمن به.

 

– “أهلي وأهله”

الأهل من الأشياء غير القابلة للتغير، لذلك لا يوجد حل إلا القبول، ولكن القبول هنا يقف عند نص الجملة “أهلي وأهله” أي يظل لكل من الطرفين أهل هو المسؤول عن إرضائهم وليس الآخر. ما عُرِف في مجتمعنا من أن الأهل أيضًا يتزوجون مثل أولادهم “أنا بتجوزه بأهله” هو أصل الكارثة؛ الأهل لهم قيمة وقامة ولكن عند أولادهم وليس أبناء الآخرين، أما الطرف الأخر يتفضَّل بأخلاقه بالمعاملة الطيبة والمهذبة.

 

– “النكد ثم النكد ثم النكد”

ولكي أنطق بالحق فلا بد أن أطرح سؤالاً أعم: “هو إيه اللي مفيهوش نكد؟ فيه نكد في الشغل، في خناق الصحاب، في مسابقات الأسعار، في الصحة اللي بتروح، في القيل والقال ومين بيقول عنك إيه، في تكشيرة البواب، في التحرش، في المصالح الحكومية الحنونة، في مشاكل الأهل الشرقيين غير المفهومة”، اقضِ شهرًا مع أعز صديق لك وبعد ذلك قرر هل النكد حصري على الزواج أم أنه تصادم لطبائع البشر وعيوبهم المختلفة، أعتقد النكد مرحلة طبيعية للوصول للتطبيع.

ولكن “النكد” له حدود يقف عندها.

 

– “الإهانة والتجريح.. أصل أنا متعصبـ/ـة”

الغضب شيء وارد بين أي طرفين في علاقة مهما كان شكلها، والعلاقة في الزواج تسمح بتعبير أكثر عن الغضب، لأنها الأقرب، وبالتالي هي المنفذ لكل المشاعر، ولكن يقف الغضب عن حد الاستباحة، أي يستبيح طرف كرامة الآخر أو يتعامل معه بشكل مهين ظنًا من طرف أن الآخر مجبر على تحمُّله، لكن الحقيقة أنه ليس إجبارًا بل صمت، وهنا الصمت يشبه الصندوق الأسود الذي تُحفَظ فيه كل الإهانات والتجريح لتخرج في صورة برود، ثم لا مبالاة، ثم انفجار تنهار معه تلك العلاقة للأبد، حتى وإن أكملت طريقها في الاستمرار.

 

– “تلقيح الكلام”

لقد خلق الله لنا القدرة على الكلام كي نتواصل، وليس ليتحول لحاجز أكبر لعدم التواصل بـ”تلقيح الكلام”، حتى يصبح علاقة عدائية، لا يوجد مجال لأحد بالفوز فيها، لذلك الحديث المباشر هو أقصر طريق لحل المشكلات.

 

– “شريك تالت”

الزواج علاقة بين طرفين، دخول طرف ثالث ليس فقط كسرًا لتلك العلاقة، بل هو اعتراف صريح بأن الحديث الحقيقي قد أصابه خلل كبير، فنستعين بأحد لترجمة لغة كل طرف، ولكن لا يقف وجود الطرف الثالث في معظم الأحيان على الترجمة فقط، بل من الممكن أن ينحاز مرة أو يتدخل بنظرته للأمر مرة، وذلك إن لم يكن طرفًا شيطانيًا يحمل قلبه بعض الضغينة لتلك العلاقة، ورغم كل تلك المخاوف لكنه أحيانًا يكون وجود طرف محايد أمين مُحب مطلوبًا لتقليل المسافة بين وجهات النظر وسوء الفهم، ولذلك “كل واحد ورزقه في الشريك التالت”.

وأكبر خطأ يقع فيه المقبلون على الزواج أو المتزوجون هو وضع أمثلة وأقاويل يصدقونها ويتعاملون على أساسها.

 

– مثال “الرجالة خاينة والستات نكدية”

وضع العناوين على أي منا ليس فقط شيئًا يدعو للغضب، ولكنه يجعل الآخر في حالة استعداد للهجوم، ومحاولات لإثبات صدق الحكم المسبق دون وضع أي قيمة للبشر واختلافهم وتفردهم، فالتعميم لغة ظالمة لنا ولمن وُضِعوا تحت راية هذا التعميم.

 

أخيرًا الزواج مفهوم مطلق، لا يخضع لأي قواعد أو شروط، والأهم ليس له شكل موحد يستدعي التشاؤم أو التفاؤل، فلكل منا تجربة فريدة من نوعها، والأطراف تختلف كما تختلف القصص والأحداث، لذلك كل ما ذُكِر عن الزواج هو مجرد محاولات غير مجدية لوصف حالة إنسانية عفوية، مثلها مثل عفوية الإنسان نفسه، فزواج كل منا يشبهه هو فقط، وشكل العلاقة لا تليق إلا بأصحابها.

وكما قالت جدتي: “محدش بيتجوز مراة غيره”.

المقالة السابقةخاف من خوفك
المقالة القادمةما هي أضرار الحزن وتأثيره؟ تأثير الحزن على القلب والجسم
استشاري صحة نفسية. كاتبة في مجال الصحة النفسية والمجال الاجتماعي.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا