بابا حبيبي.. رسالة من أعماق قلبي إلى بابا حبيبي

4105

الرسالة دي مش لأبويا.

دي ليكم إنتم عشان تعرفوا مين هو عادل فؤاد حسين.

الراجل اللي تفاصيل علاقتي بيه سبب كافي إني أبتسم وأتطمن وأحس بالامتنان إني بنته.

من سن 4 سنين وأنا بكتب لبابا جوابات محتواها “بحبك”، “تصبح على خير”، أو “زعلانة عشان اتأخرت في الشغل فمعرفتش أبوسك قبل ما أنام”. مع سنين العمر فضلت عادة الجوابات موجودة، متباعدة بس متقطعتش، كبرت واتخرجت واشتغلت واتجوزت، وفضلت بكتب لبابا جوابات، مهما اتغير محتواها بتفضل دايمًا رسالة سببها الحب.

أبويا -على عكس معظم الرجالة- شخص نشيط جدًا، يصحى الصبح يعمل تمارين رياضية، أول واحد يلبس لو خارجين، يعشق الفسح والرحلات وملوش في الأنتخة، متطلبش طلب ويقولك بكرة، ولا لما أقوم من النوم، أو قول لحد من إخواتك، حتى بعد الصحة ما بقت ع الأد متغيرش.

وطول ما هو قاعد يحكي حكايات، ذكريات ومواقف ونكت، عشان كده كل العيلة كانت بتحب تيجي معانا المصيف أو يباتوا عندنا، لأنه بيخلق جو حميمي وصحبة منعشة، حتى صاحباتي اللي شافوا بابا مرات قليلة حبوه ودايمًا يسألوني عليه.

طلعت لقيت بابا بيحب عبد الناصر وحليم ونجاة وماجدة الرومي، يتأثر بخُطب جمال فيحكيلنا عنه، ويدندن مع الأغاني، ويا سلام لو جت أغنية من المفضلين عنده فيشدني نرقص سوا! فكان طبيعي أطلع بحب الناس دي، ولما أسمع أغانيهم دلوقتي أشيل بنتي عشان ترقص معايا.

هو اللي علمني معنى الشغف.. زمان لما بابا لقاني بحب حليم جابلي كتاب كلمات أغانيه عشان أقراه، وفي ثانوي لما كنت مهووسة بميل جيبسون لقيته في يوم بيديني ظرف مليان صور ليه اشتراهوملي مخصوص عشان بحبه. أما القراية فكان بينميهالى بزيارة دايمة لمعرض الكتاب، أرجع بعدها بشوال مليان كتب مبيخلصش.

فاكرة كويس يوم ما رحتله عشان أقوله إن فيه حد عايز يتقدملي، دخلت عليه وأنا مسخسخة على روحي من الضحك وبقوله أخيرًا هفرحك وأقولك الجملة اللي نفسك تسمعها من زمان. فاكرة كمان ليلة فرحي لما بابا أصر إني أنام جنبه هو وماما لآخر مرة، فرميت نفسي في حضنه وقولتله “يرضيك كده ماما متقوليش حاجة عن الجواز وأنا فرحي بكرة!”.

أيوة علاقتي بأبويا تسمح بكل تلك الحاجات اللي ناس كتير مبيستوعبوهاش ويشوفوها غريبة، بس أنا عمري ما حسيت كده، يمكن لأني اتربيت كده ويمكن لأن أنا نفسي شخصية غريبة! مش عارفة!

ورغم كل التفاصيل دي إلا إن أبويا دايمًا حاسس إني مش مدية علاقتنا برستيجها والاحتفاء الكافي!

هشهّدكم.. مرة زمان بعتّ رسالة لقناة إذاعية أطلب فيها أغنية معينة، ومضيت ياسمين، واتذاعت الرسالة، فكان تعليق بابا وقتها “وتكتبي ياسمين بس ليه؟ ما تكتبي ياسمين عادل”. ولما نشرت ديواني -الأول والأخير- وكان إهدائي “لأبي وأمي طبعًا” اعتبره إهداء نُص كُم وسد خانة، لأن مش معقول مفيش كلام أكتر يتقال!

أهم 3 حاجات اتعلمتهم منه: “احترام المواعيد، والصراحة، وصلة الرحم”، بابا عايش حياته من منطلق إنه على سفر، أي ميعاد بالنسباله كأنه ميعاد طيارة، فلازم يبقى جاهز وينزل من قبله بشكل كافي عشان محدش عارف الظروف، توصل بدري وتستنى أحسن ما تتأخر عن ميعادك.

أما “الصراحة” فمن نوعية الصراحة الدوغري مهما كان مغريات اللف والدوران، ومهما كانت المشاكل اللي هتحصل، لو قلنا رأينا زي ما هو من غير تجميل. ورغم إن والدي عانى كتير في شغله بسبب الموضوع ده لكني كنت وما زلت بحترمه فيه، فطلعت زيه بقول الكلام “بعبَله”، وعلى أد ما ده خسرني بني آدمين، على أد ما كسبني احترامي لنفسىي.

وأخيرًا صلة الرحم اللي أبويا حريص عليها لحد دلوقتي حتى بعد ما صحته اتدهورت، حتى لما جه فترة باع فيها العربية فبقى عشان يزور إخواته يضرب كل يوم جمعة مشوار من فيصل لمدينة نصر أو الرحاب، رغم إن إخواته معاهم عربياتهم وممكن هم اللي يجولنا، بس شايفين المشوار تقيل، فكان يقول مش مهم التعب المهم أشوف إخواتي. 

حاجة وحيدة معرفتش أتعلمها منه، إني أتصرف على طبيعتي تمامًا مهما كان تصرفي هيبان عفوي أو طفولي أو حتى كوميدي، والصفة دي بالذات مكنتش بحبها في بابا وأنا صغيرة، لحد ما قريب فهمت أبعادها، فكانت السبب في كتابة المقال ده، لأني حسيت أد إيه أنا مدينة برسالة اعتذار وفَخر بالراجل ده.

اللي هحكيه دلوقتي بابا ميعرفهوش.. والدي متعلمش سباحة لكنه عارف أساسياتها وحركاتها، فكان بيعوم بس بطريقته، وفي يوم من ييجى 20 سنة بنت صغيرة متعلمة سباحة كويس شافته وهو بيعوم معانا، فقالتله وهي بتضحك “عمو ممكن تعلمني الحركة اللي أنت بتعملها دي؟”.

اللحظة دي وجعتني جدًا وعمري ما نسيتها، وجعتني لأن بابا قالها “من عينيّ يا حبيبتي أعلمهالك”، وفضل يحاول يعلمهالها، وجعتني لأني مقدرتش أقوله إنها بتعرف تعوم بس بتستظرف. وقتها زعلت من جوايا من بابا، مش لأنه متعلمش العوم، لكن لأنه مفرقش معاه إنه في مجتمع سمج ومبيسيبش حد في حاله.

مرت السنين وفي خطوبة ابن عمي اشتغلت أغنية “جانجام ستايل” فقام بابا يرقص عليها مع الشباب رغم إنه مش حافظ خطوات الرقصة، بس كان بيعمل ده بفرح وابتهاج. وقتها شفت في عيون قرايبي نفس النظرة اللي شفتها في عين البنت الصغيرة زمان، واتضايقت.. اتضايقت أووووووي. وفجأة حاجة نورت في دماغي!

بابا هو اللي صح، هو اللي بيعرف يا مجتمع عجوز وقليل الأدب ومبيعرفش، بيعرف يعيش وينبسط ويكون نفسه من غير تزويق، بيعرف يضحك ويرقص ويحب من قلبه من غير ما يتحول لشخص إتِم قاعد على كرسي عشان سنه كبر، فعرف يفضل شباب أكتر مني ومنكم.

لكل الأسباب دي وأكتر حبيت تعرفوا أد إيه أبويا شخص جميل، مش لأنه مثالي لكن لأنه حقيقي، اتعلمت منه كتير وبعد ما بقيت أم عرفت أد إيه كان شيء مُرهق إنه يربينا تربية سليمة في وسط زمن مغلوط.

بحبك يا بابا وفخورة بيك

ربنا يخليك ليّ

بنتك ياسمين

المقالة السابقةرسايل إلى من يهمه الأمر
المقالة القادمةالخطوات ال20 لحب نفسك لأنها تستحق
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا