المرحاض قصة حب

1846

 

لقاء السعدي

عادةً ما توصف الأفلام الهندية بالسطحية، المبالغة والبعد عن الواقع. لكن الأمر لم يعد كذلك، فمحاولات التطوير دائمة ومستمرة، والرغبة في منافسة السينما الأمريكية والأوربية قائمة، مع ذلك تظل تلك الاتهامات وصمة العار التي لحقت بالسينما الهندية، وتسببت في عزوف الكثيرين عنها.

 

اليوم أتحدث عن أحد الأفلام الجيدة التي تستحق أن نلقي الضوء عليها، لأنها كشفت لنا الوجه القبيح لأن تعيش المرأة في دولة نامية، تسيطر عليها سطوة العادات والتقاليد البالية، حيث تُسلَب أبسط الحقوق، ويُلقى على كاهلها واجبات مخترعة ما أنزل الله بها من سلطان.

 

فيلم “Toilet – EkPrem Katha” يناقش أحد القضايا الهامة في الهند، قضية غياب الحمامات عن منازل القرى الهندية، وذلك لاعتقاد البعض أنها تجلب النجس والشر للمنازل. أما عن البديل، فهو الخلاء بالتأكيد! الغريب في الأمر أن الرجل يحق له أن يقضي حاجته في أي مكان، أما المرأة فعليها الخروج فجرًا للبحث عن أبعد مكان عن منازل القرية لتفعل ما يفعله الرجل. النتيجة: تعرضها للتحرش، وفي بعض الأحيان الاغتصاب.

 

يعرض الفيلم هذه القضية الشائكة من خلال قصة حب بين “كيشاف/ أكشايكومار” و”جايا/ باهوميبانديكار”. “كيشاف” و”جايا” من قريتين متجاورتين، لكن الاختلاف بينهما كبير. “جايا” نموذج الفتاة المتعلمة المتفتحة المثقفة، يساندها أب داعم يؤمن بحقها في الحياة بالطريقة التي تناسبها، بينما “كيشاف” اكتفى بالقليل من العلم، كما اكتفى بالصمت تجاه كل تعنُّت والده وتجبُّره وركونه لكل العادات والتقاليد المقيتة.

 

“جايا” و”كيشاف” نموذجان مختلفان تمامًا، لكن للقلب أحكامًا لا يفهمها العقل. يتزوج الاثنان، تبدو الحياة بينهما مُبشِّرة، ثم تأتي الصدمة الكبرى، منزل “كيشاف” يفتقر لوجود حمام، وعلى الفتاة المثقفة أن تتخلى عن آدميتها وتخرج للخلاء، مثلها مثل نساء القرية، ومطالبتها بأبسط حقوق الإنسان حوَّلتها لزنديقة تبشر بدينٍ جديد!

 

“جايا” في نظر حماها متمردة، شيطانة تسعى لإدخال الدنس للبيت الطاهر، بينما في نظر زوجها متطلبة تنشد الصعاب. كل هذا يبدو طبيعيًا بالنظر لشخصية الزوج ووالده، غير الطبيعي أن يكون العداء الأكبر لأفكار “جايا” قادمًا من نساء القرية، اللواتي كُنَّ التمثيل الحقيقي لمقولة “ألد أعداء المرأة.. هي المرأة”.

 

“الكثير من التعليم يفسد الحياة” عبارة تُلقى في وجه “جايا” كلما طالبت بحقها، وكأن التعليم خطيئتها الكبرى، اختارت النساء إلقاء اللوم عليها، وترديد كلام الرجال عن الثقافة القبلية واحترام التقاليد، أو كما قالت إحدى بطلات الفيلم “علينا نحن النساء تسوية الأمور طوال الوقت”، لذلك كُنَّ أكثر حرصًا على تغطية الوجوه لا تغطية المؤخرات، حتى لا يعرف المتحرش أي عورةٍ كشف.

 

حاربت “جايا” بكل قوتها لأجل حقها في وجود حمام في منزلها، ساندها “كيشاف” بكل الحب حتى لا يخسرها، لكن ذلك لم يكن كافيًا. حوَّل “كيشاف” قصتهما لقضية رأي عام، يتم تداولها في أروقة الدوائر الحكومية، وتُناقش في كل وسائل الإعلام، لكن ذلك لم يكن كافيًا أيضًا، فسطوة العادات والتقاليد أشد وألعن.

 

الحل لهذه القضية البسيطة المُعقَّدة لم يأتِ إلا بقوة النساء. عندما آمنت نساء القرية بحقهن ظهرت قوة التغيير، سلكت نساء القرية جميعهن سلوك “جايا”. تمردن، ثُرن، وكشفن عن الوجه القبيح لكل من خذلهن، كُنَّ اليد التي أجبرت يدًا أكبر على التغيير، وتحقق لهن ما أردن.

 

فيلم “Toilet – EkPrem Katha” أقسى تجربة مشاهدة عايشتها حتى الآن، شعور بالإهانة استمر قرابة ساعة ونصف، وأنا أتخيل نفسي أسير مع مجموعة من النسوة، لقضاء الحاجة في قطيع كالحيوانات، بقلق وخوف من أن يهتك هذا الستر أحدهم. غصة طويلة في القلب والحلق لكوني امرأة، لم تذهب إلا عندما شاهدت ثورة أولئك النساء وقدرتهن على التغيير.

 

 

 

المقالة السابقةبنتي والمونديال
المقالة القادمةفي دوائر الحكي.. رحلتي من الرفض إلى القبول

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا